ثقافة الوأد!!
المراذلة لا المفاضلة هي ما يليق بالمقارنة بين الوأد الجاهلي بمعناه العضوي وبين الوأد الحديث المعنوي والنفسي، وقد يكون الوأد النفسي اقسى من أي وأد؛ لأنه ثقيل الروح ويجهز على العقل ويبقي الجسد حيّا يسعى، وربما لهذا السبب قال الفرنسي هنري ميشو ان اكتشاف فرنسا للمقصلة كان تعبيرا عن رؤية تتلخص في ان قطع الرأس اهون من قطع اللسان فقط!
اما الوأد الذي تجلى بعد زمن طويل من الجاهلية في فقه تجريف الوعي وحرمان المرأة من ممارسة حقوقها كانسان اولا واخيرا فإن حصيلته قابلة للرصد بالارقام، سواء من حيث عدد النساء المحرومات من التعليم او من حق اختيار الشريك، ورغم الاحتفالات الشكلية بأيام المرأة سواء كانت امّا او اختا او حبيبة الا ان الحقيقة ليست كذلك، ومن يقدم وردة للمرأة في يوم واحد من العام قد يقدم لها من الاشواك ما يدميها على مدار العام، وقد تحوّل الوأد من طقس اجتماعي بذريعة الشرف الى ايديولوجيا، لها فقهاء يرون في المرأة بعد اختزالها من انسان الى وظيفة مجرد وعاء، والاختزال كما يقول علماء النفس قدر تعلقه بالحياة الانسانية هو من آفات التخلف والوأد في الرمل او التراب اهون من الوأد داخل جلباب اسود، او في قفص كما قال هنريك ابسن في مسرحيته الشهيرة بيت الدمية؛ وما من حاسوب ذكي حتى الان احصى خسائر العرب من تهميش المرأة اجتماعيا وتهميشها جسديا؛ لأن الحواسيب ذكورية بامتياز جاهلي.
وقد تخطى الوأد المعنوي بعد تحديث المرأة الى سائر افراد المجتمع، فالاطفال الذكور يوءدون ايضا لكن ليس خشية من بلوغ سن التمرد والعصيان .
والمثقف يتعرض ايضا لوأد مبكر ويهاجر الى داخله لاحساسه بأنه فائض عن الحاجة في مجتمعات لديها وهم الاكتفاء من خلال الغرائز ولا شيء آخر!!.
الدستور 2018-03-27