هل هُزمت الديمقراطية عربيا؟
من الملاحظ أنّ هنالك عدم اكتراث أو أدنى اهتمام من قبل الإعلام العالمي والغربي بالانتخابات الرئاسية المصرية الجارية، والسبب كما تعلمون ببساطة أنّها محسومة سلفاً، بل أصبحت بمثابة "نكتة سياسية" حتى مقارنةً بالانتخابات في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك.
وصل الاستخفاف إلى مرحلة غير مسبوقة إلى درجة أنّ منافس الرئيس عبد الفتاح السيسي يدلي بصوته لصالح الأخير، بينما يواجه من فكّروا الترشّح ضده تهماً واتهامات وحملة تشويه كبيرة!
وإذا كانت النتائج الرقمية معروفة مسبقاً، فإنّ ما هو ليس واضحاً بعد ويصل إلى مرحلة شديدة الضبابية وإلى حالة الشك وعدم اليقين هو إلى أين تسير المنطقة العربية بأسرها مع ما يبدو – على السطح السياسي- من نجاح الدكتاتوريات والاستبداد في فرض ديناميكياته على أرض الواقع؟
بالتزامن مع الانتخابات المصرية يدخل جيش الأسد مدعوماً من الطيران الروسي والإيرانيين وحزب الله والميليشيات الطائفية عابرة الحدود إلى الغوطة الشرقية، في الوقت الذي يتم فيه ترحيل السكّان المدنيين والمقاتلين إلى إدلب، ليستعيد النظام مناطق أخرى جديدة، وتتجه العيون اليوم إلى باقي المناطق في الجنوب، ما دفع بأنصار النظام ومعهم ديبلوماسيون غربيون إلى القول بأنّ الأسد ينتصر عسكرياً، وسيستعيد السيطرة على أغلب المناطق في سورية؟
الديمقراطية هُزمت في العالم العربي، والدكتاتورية تمّ ترميمها واستعادت مجدها، ويعزز من هذه النتيجة التحولات العالمية التي تحدث – حتى في الدول الغربية- مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي شكّلت بذاتها أزمة لمفاهيم الديمقراطية الغربية، فضلاً أنّه غير معني بالديمقراطية، بل على العكس من ذلك يدعم الدكتاتوريات. وكذلك الحال صعود الحركات اليمينية في العديد من الدول الأوروبية، ما يعني أنّ الضغوط الخارجية التي كانت تتم أحياناً على الأنظمة الاستبدادية قد تلاشت هي الأخرى!
هكذا تبدو الأمور – للوهلة الأولى-، لكن بقراءة أكثر عمقاً وتحليلاً، فإنّ النتيجة السابقة هي باختصار شديد في منتهى السذاجة والخفّة! ولو فكّرنا في كل التجارب والدول السابقة مثالاً تلو الآخر، لاكتشفنا أنّ هنالك تحولات عميقة مختلفة تماماً، ويكفي مقارنة – مثلاً- الثورة السورية الأخيرة بأحداث حماة في العام 1982، لوجدنا كيف أنّ تلك الأحداث كانت محلية وانتهت إلى هزيمة الإخوان عسكرياً وانتصار الأسد، لكن ما يحدث اليوم في سورية حرب بالوكالة، وميليشيات عابرة للحدود، والأسد هو رقم 7 أو 8، ممن يملك القرار في سوريا، ضمن قائمة حلفائه، فالرئيس بوتين وقاسم سليماني هما من يقرر، ثم قيادات ميدانية عراقية ولبنانية وإيرانية، وربما سورية حتى.
الحال في العراق واليمن وليبيا لا تختلف، وفي مصر لا يوجد أفق حقيقي للمستقبل السياسي، وفي باقي الدول الأزمات ما تزال قائمة ومتدحرجة، بمعنى أنّنا نسير من السيئ إلى الأسوأ، وأنّ البديل عن الديمقراطية والحرية والدخول إلى عهد جديد والتغيير السلمي هو فقط الفوضى والتفكيك والحروب الداخلية والأزمات الطاحنة!
البديل عن الإخوان والأحزاب السياسية في مصر هي ولاية سيناء التي أصدرت شريطاً مرعباً بعنوان "المواجهة الفاشلة" عن مآلات الحرب في سيناء، وفي العراق وسورية ولبنان أصبح قاسم سليماني صاحب الكلمة العليا، ما يعني تجذّر واستمرار الأزمة السنّية الطاحنة، وأسباب الأزمات والكوارث مستمرة في الدول الأخرى، فأيّ أفق نتوقعه بعد ذلك من التبشير بانتصار "الدكتاتوريات" وهزيمة الديمقراطية والربيع العربي؟!
الغد 2018-03-28