سلطنة عُمان بين الأزمة اليمنية وإيران:
رغم الحياد الذي التزمت به السياسية الخارجية العُمانية تجاه العديد من المتغيرات الإقليمية خلال العقود الماضية, لا زال صانع القرار السياسي العماني يتفاعل مع جملة من تلك المتغيرات والوقائع في إطار البيئة الإقليمية والدولية, بشكل يضع الباحثين والمهتمين في تحليل السياسة الخارجية العُمانية والشأن العماني أمام عدة تساؤلات جوهرية , ابرزها ماهية الدور العماني من الازمة اليمنية ؟, وهل حققت الإستراتيجية العُمانية مصلحها ومكاسبها الامنية والاقتصادية والسياسية إثر مواقفها من الصراعات والازمات الاقليمية؟, وهل تفاعلت الاستراتيجية الايرانية مع الدبلوماسية العُمانية ومع حضورها السياسي في الأزمة اليمنية تحديداً.
اتسمت السياسة الخارجية العُمانية بالحياد الإيجابي وعدم الإنحياز تجاه كافة الصراعات والأزمات والخلافات الإقليمية ودوافعها وأهدافها, فجاءت واقعية صانع القرار السياسي العماني وإهتمامه بالمصلحة الوطنية في تعزيز خطط التنمية المستدامة وبرامج والتحديث لشعب السلطنة, وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار والتأكيد على حل الصراعات في المنطقة بالطرق السلمية والحوار ورفض سياسة الاحلاف والمحاور الإقليمية, لانها وفق رؤية صانع القرار السياسي العماني واضحة بفضل ما تمتلكه السلطنة من إرث تاريخي وصلاتها القوية مع كافة الاطراف في المنطقة وتفاعلها الحضاري مع مختلف شعوب المنطقة, لذك جاءت الدبلوماسية العُمانية لتربط اهداف السلطنة الداخلية الخاصة بالتنمية والتحديث مع اهداف سياستها الخارجية للتحقيق الاستقرار والامن, بما لا يتعارض مع الطابع المحافظ على اهدافها الخارجية ومنطلقاتها الإستراتيجية والأمنية منها والأقتصادية والسياسية, فهي بهذا النهج استخدمت البراجمتية الإيجابية دون المساس بالمبادئ والقيم وحفظ الامن والاستقرار الإقليمي.
أما الجانب الابرز في هذا النهج السياسي ما يختص منه بمواقفها من الازمة اليمنية وتفاعلها مع المتغيرات السياسية على ارض الواقع : فمنذ رفض صانع القرار السياسي العماني قرار الحرب في اليمن وعدم المشاركة فيها من خلال عاصفة الحزم , ظلت الدبلوماسية العمانية تعمل في إطار مبادئها السياسية في التعامل مع قضايا المنطقة والمتغيرات الجيوسياسية في الصراعات والازمات المتصاعدة في اليمن وسوريا, كما أن السياسة الخارجية العمانية حمّلت كافة اطراف الصراع في اليمن مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع الانسانية والاقتصادية والسياسية في اليمن, وعملت بهذا الجانب في سعي مباشر لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة بدعم كافة المبادرات الاقليمية والدولية التي من شأنها الحيولولة دون المزيد من الدمار واستمرار النزاع اليمني وتمنع تمدده إقليمياً.
ونظراً لتطور العلاقات العمانية الإيرانية بسبب الواقع الجيوسياسي وعمق علاقات السلطنة المتوازنة مع الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا, ولثقة المكون اليمني الحوثي في دور الدبلوماسية العمانية , هي عوامل وضعت صانع القار السياسي العماني في موقع المسؤولية الأخلاقية مما دفعه لإجراء العديد من المفاوضات للعب دور الوسيط الايجابي في لإيجاد حل سلمي يوقف حد الصراع والاختلاف بين مكونات الشعب اليمني, خاصة والسلطنه تشارك اليمن في حدود ديمغرافية لكل منهما مصالحة الاقتصادية المشتركة مع الاخر, لذلك جاءت الدبلوماسية العمانية تتسم بالسلام ووقف النزاع ليحل الاستقرار في المنطقة.
ارتكزت سلطنة عُمان بهذا الموقف على مجموعة من الاسس الموضوعية الواقعية, أهمها تمثل في قيادة السلطان قابوس بن سعيد منذ عام 1970م, الذي اعتمد على التفاعل مع المتغيرات الإقليمية بشكل أكثر ايجابية ووضوح, واستثمار حضور السلطنة السياسي للمشاركة في خدمة قضايا السلام الاقليمي والدولي, والوقوف مع دول مجلس التعاون الخليجي أمام التحديات والتهديدات والمخاطر التي شهدتها المنطقة, حيث مارست الدبلوماسية العُمانية موقف هادئ وعقلاني تجاه اغلب الاحداث والوقائع الإقليمية مع المحافظة على علاقات متواصلة مع كافة الاطراف.
تنامى دور سلطنة عُمان المحوري في مساعيها غير الظاهرة للوساطة بين إيران والغرب فيما يخص الملف النووي الايراني, والذي اسفر عن اتفاق الحل النهائي الدولي بالاتفاق التاريخي مع المجموعة الدولية (5+1), حيث جاءت مواقف السلطنة السياسية في هذا الجانب غاية في الذكاء والحكمه بعد ان اسفر تشجيعها للحوار بين اطراف الازمة على الوصول الى اتفاق يجنب المنطقة المزيد من التوتر والنزاع الدولي والحروب المدمرة للمنطقة, فقد تأكد لصانع القرار السياسي العُماني انه لابد من التفاعل مع أزمات المنطقة بمنطق الصديق لا العدو وبأيجابية لا تصنع الاعداء ولا تتدخل في أي نمط من انماط الصراع القائم في المنطقة او الانحياز لاي طرف فيها,لا بل سعت الدبلوماسية العُمانية من خلال كافة مؤسساتها الى تفعيل التنمية المستدامة وخطط التطوير , من خلال ممارسة دور الوسيط المحايد في ابرز ازمات المنطقة , لضمان البيئة المستقرة في دول الجوار , خاصة وان السلطنة تتمتع بموقعاً جغرافياً إستراتيجي متميز, جعل الصراع الإقليمي المحيط بها مهدداً حقيقياً ومؤثراً سلبياً على واقع السلطنة ومشاريعها التنموية الحضارية الداخلية , كما أثر على على حضورها السياسي وتفاعلها مع أطراف المجتمع الاقليمي والدولي .
ورغم أن الازمة اليمنية تُعد من ابرز الملفات الخلافية بين السلطنة مع دول مجلس التعاون الخليجي وحلفائها الإقليمين والدوليين في عملية عاصفة الحزم, إلا أن موقف السلطنة الثابت قد حُسم بشكل مبكر من خلال ممارستها لسياستها التقليدية بالحياد الايجابي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي طرف كان, موقفاً يُظهر القدرة على إدارة جهود التهدئه بين أطراف الصراع, وإبقاء جميع قنوات الاتصال فتوحة بين الفرقاء, رغم ان المعادلة الصعبة التي واجهت صانع القرار السياسي العُماني بعد الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979م, تمثلت في إقامة علاقات عُمانية سياسية متوازنة, استطاعت السلطنة المحافظة على علاقاتها مع الاشقاء في دول مجلس التعاون, ومع النظام السياسي الإيراني في نفس الوقت, فهي ترتبط مع النظام السياسي الإيراني بعلاقات اتسمت بالعقلانية والنضج, تشكلت عبر مراحل تاريخية طويلة, فرضتها اعتبارات جيوسياسية, تمكنت السلطنة من لعب دور سياسي محوري في الوساطة بين إيران والدول العربية بهدف الحد من الخلافات المؤثرة في استقرار المنطقة, والسيطرة على انماط الصراع التي تعمقها الاستراتيجية الايرانية بإطار مشروعها التوسعي العدائي لأغلب دول الجوار, فقد سعت الدبلوماسية العُمانية للحل السلمي والحوار المباشر بين جميع الاطراف لحل اشكاليات النزاع ذات الاهتمام المشترك, وعملت باستمرار في انفتاحها على جميع الاطراف لتحقيق مصالحها في مضيق هرمز ودول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي بينها.