ما هي آفاق الإسلام السياسي؟
صدر (قبل أيام قليلة) كتاب "آفاق الإسلام السياسي في إقليم مضطرب: الإسلاميون وتحديات ما بعد الربيع العربي" (باللغتين العربية والإنجليزية)، وهو عبارة عن وقائع الأعمال والأوراق والنقاشات التي جرت خلال مؤتمر العام الماضي، الذي أقامته مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية في عمّان، بحضور نخبة من الباحثين والدارسين العرب والغربيين لهذه الحركات.
الكتاب يتناول ما حدث من تطورات وتغيرات لدى الحركات الإسلامية وفي البيئات السياسية والاجتماعية العربية التي تعمل بها، منذ حقبة الثورات الشعبية العربية، وقسّم النماذج إلى ثلاثة رئيسية: الأول هو نموذج الإسلاميين في السلطة، كما كانت حالة مصر (قبل الانقلاب العسكري في 2013)، والمغرب وتونس، والإسلاميون في ديناميكية الحروب الأهلية العربية (كما هي حالة سورية، العراق واليمن)، والإسلاميون خارج السلطة، لكن ضمن قواعد اللعبة السياسية (كما هي حالة الكويت والجزائر)، بينما تمّ تخصيص فصل خاص عن الحالة الأردنية والنقاشات فيها، وضمت كلا من زكي بني ارشيد، وغيث القضاة عن الشراكة والإنقاذ، ود. نبيل الكوفحي عن حزب زمزم، ود. نفين بندقجي كباحثة أردنية متخصصة بالحركات الإسلامية.
فصول الكتاب (الذي شارك فيه 13 باحثاً) غنية بالتحليلات والمعلومات عن واقع الحركات الإسلامية والمخاض الذي مرّت به تلك المجتمعات، منذ الربيع العربي، وتحمل مؤشرات على الآفاق والسيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة.
لكن إذا كانت هنالك ملاحظات رئيسية يمكن أن نلخّصها في هذا المقال القصير عن الكتاب، فيتمثّل أبرزها في الخطأ الفادح في التعامل مع الحركات الإسلامية بوصفها "كتلة متجانسة واحدة"، أولاً، فهنالك من الواضح تباينات، قد تصل إلى درجة التناقضات في خطاب وأدوات ورؤية تلك الحركات، بحسب الاتجاه الأيديولوجي والشروط الاجتماعية والسياسية التي تعمل بها، وثانياً أنّ هذه الحركات ليست معزولة ولا منقطعة عن الأنساق والسياقات، فهي تعمل بداية في إطار نسق اجتماعي وسياسي وثقافي يؤثّر عليها، ويلعب في كثير من الأحيان دور "العامل المستقل" (أي المؤثر)، بينما خطاب تلك الحركات يكون بمثابة العامل التابع (أي المتأثر)، وهي لاحقاً مرتبطة بسياقات اجتماعية وثقافية وسياسية عامة.
يترتب على هذه النتيجة أنّ آفاق تلك الحركات ومستقبلها ليست موحّدة ولا واحدة بالضرورة، فنجاح التجربة في المغرب، لا يعني النتيجة نفسها في الأردن مثلاً، وهكذا، وكذلك الأمر أنّ ذلك -أي مستقبل تلك الحركات- ليس منعزلاً ولا معزولاً عن مستقبل المجتمعات والدول، فلاحظنا كيف أنّ الدول التي نجحت فيها العملية الديمقراطية نسبياً ومرحلياً، مثل المغرب وتونس، توجّه أبناء الحركات فيها إلى البراغماتية أكثر، بينما الدول التي عصفت بها الحروب الأهلية انتشرت وظهرت التيارات المتطرفة والمتشددة وانتعشت فيها سوق السلفية الجهادية!
من النتائج المهمة -التي تحتاج إلى تفصيل لاحقاً- أنّ الأسئلة البحثية المتعلّقة بالحركات الإسلامية شهدت تغيرات وإزاحات كبيرة، وحقل دراسة هذه الحركات من المفترض أن يتحرك إلى مساحات أخرى، فسابقاً، مثلاً، كان التركيز على سؤال الديمقراطية وموقف الحركات منها، لاحقاً لم يعد هذا السؤال يكفي، فهنالك أسئلة أخرى، مثل علاقة الديمقراطية بالدين، وموقف الحركات الإسلامية من قضايا عديدة، طرحت نفسها، والأبعاد الإقليمية والدولية أصبحت مدخلات مهمة في فهم الحركات الإسلامية اليوم.
هذه النتائج والنقاشات ولّدت فكرة المؤتمر الجديد، الذي سيعقده مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية، في مطلع شهر أيار (مايو) المقبل، في عمان، بحضور عدد كبير من الخبراء العرب والغربيين لمناقشة ما يسمى بآفاق "ما بعد الإسلام السياسي" والمؤشرات الجديدة المرتبطة بتوجهات فصل الدعوي عن السياسي والدولة المدنية.
الغد - الجمعة 6/4/2018