قصة نجاح لها ما بعدها
رغم أن الانتخابات جرت في أجواء تنافسية نظيفة، والاقتراع والفرز كانا حضاريين في ليلة عرس ديمقراطي مشهودة لم تشبها شائبة، فإن المداخلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي شابها الاحتقان وافتتحها نائب إخواني بوصف بعض أطراف التحالف الفائز بالمثليين (الشواذ) والماسونيين، واضعا إياهم (كالعادة) في سلة واحدة مع العلمانيين واليساريين والقوميين الخ.. إضافة الى اتهام الدولة وأجهزتها بالتدخل، لكن أين كان هؤلاء في الدورات السابقة التي فاز بها بلا انقطاع التيار الإسلامي الذي يضم الإخوان ومستقلين؟ وهل يمكن أن نفترض في وضع ديمقراطي أن يستمر طرف واحد في السلطة الى ما لا نهاية؟! والحقيقة أن التيار الإخواني تراجع في جميع النقابات أو عاد التداول بينهم وبين غيرهم باستثناء نقابة المهندسين، وقد أصبحت قلعتهم الأخيرة الكبرى التي يستميتون دفاعا عنها ولم ينجحوا بذلك إلا بسبب فشل الآخرين (القائمة الخضراء) في مغادرة العقلية والأساليب ونمط التحالفات القديمة، ويسجل لتحالف "نمو" التجديد الذي حقق مؤخرا الفوز، وهذا التجديد هو ما أريد تقديم إضاءة حوله.
ما حدث في نقابة المهندسين يمثل نموذجا لما يكون عليه نظام الثنائية القطبية الذي يختصر جميع الفاعلين في معسكرين اثنين يحقق أحدهما الأغلبية الشرعية ليحكم، والنموذج الأكمل لهذا النظام هو السائد في الولايات المتحدة، فالحزبان الكبيران هناك هما مجرد آلية لغربلة المتنافسين لينتهوا الى اثنين، ويتم ذلك عبر انتخابات أولية تغربل المتنافسين لكي يتقدم كل معسكر موحدا خلف المرشح وقاعدة الحزب الديمقراطي تمتد من أقصى اليسار الى الوسط الليبرالي طوعا أو قسرا، فأقصى اليسار عندما يظهر أقلية فليس له إلا أن يدعم الأقرب اليه فالأبعد فالأبعد وهكذا.. شيء من هذا القبيل تحقق لقائمة "نمو"، فقد قررت بعض قيادات الخضراء أن تخرج من الإطار الذي يقيد الخضراء بحلقة ضيقة من القيادات الحزبية وغير الحزبية لما يطلق عليه التيار القومي واليسار وبناء تحالف جديد أكثر مرونة وأوسع مدى يشمل مهنيين غير معنيين بالسياسة بل بالعمل النقابي المهني، لكن هذا لم يعجب آخرين في الخضراء، فنزل الطرفان في قوائم للشعب الهندسية المجلس المركزي، ففاز الإسلاميون مرة أخرى لكن فاز معهم عدد من قائمة "نمو" بما يمكنها من التقدم لانتخابات النقيب ومجلس النقابة ولم يعد أمام بقية الخضراء وأطراف أخرى لا تجد نفسها مع الإسلاميين أو فاض الكيل معهم للتفرد الطويل بالنقابة، فتشكلت قاعدة عريضة أوسع تمكنت من الفوز الذي أخذ في عدد من المحافظات طابع الاكتساح.
لقد كانت عملية ديمقراطية نموذجية تضمنت دروسا باهرة ورسمت طريقا للعمل يمكن البناء عليها ليس في نقابة المهندسين فقط بل في بقية النقابات المهنية وفي البلد. وطبعا ليس بالضرورة أن تكون الثنائية القطبية هي النظام الأنسب في كل مكان وزمان، لكن في النقابات فهي ضرورة وواجب لأن هناك طرفا سياسيا واحدا واضحا ومميزا وقويا ومن حوله حالة هلامية مفتتة تمتد من الأحزاب اليسارية والقومية القديمة والوسط القريب منه وصولا الى المستقلين والليبراليين والمحافظين بأنواعهم، وكان الإخوان أكثر قدرة على جذب المحافظين النقابيين لأنهم يعطونهم الفرصة لتحقيق طموحهم وحجز مقاعد في المجالس، بينما التيار القومي واليساري (كان ممثلوه بالكاد يحقق كل واحد طموحه بحجز مقعد في التحالف ناهيك عن المزاحمات السقيمة للفوز بأكثر من مقعد أو التواطؤ مع الجهة المنافسة للحجب وتبادل الأصوات). إذن يصبح السؤال والتحدي هو كيف تتوصل الى معادلة وآلية للتصفية الداخلية بمشاركة طيف واسع يمتد الى الطرف الأبعد الذي يمكن وصله للمشاركة في تصفية اختيار تؤدي لوقوف الجميع وراء قائمة واحدة، وللحديث بقية.
الغد - الثلاثا 8/5/2018