يوم آخر أسوأ!
ليست مصادفة أن نقرأ في غضون الفترة القصيرة الماضية العديد من المقالات والتقارير لشخصيات وازنة عالمياً تحذّر من انهيار النظام الليبرالي الديمقراطي العالمي بأسره، وبانهيار منظومات حقوق الإنسان، بخاصة في مرحلة الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يقيم أيّ وزنٍ يذكر لهذا الجانب، فضلاً بالطبع عن الاهتمام بالديمقراطية ونشرها أو ادّعاء ذلك حتّى!
كتب جوزيف ناي، الأب الروحي لمفهوم "القوّة الناعمة" (أحد المفاهيم المهمة في الأعوام الماضية)، مؤخرا، مقالاً يتحدّث فيه عن حجم الضرر الكبير الذي لحق بالنظام الليبرالي العالمي في الأعوام الماضية، ووصف موضوع "حقوق الإنسان" بأنّه الأكثر تضرّراً، قبله كان ريتشارد هاس، وهو أيضاً أحد أبرز المحللين الاستراتيجيين الأميركيين، ينعى النظام العالمي الليبرالي في مقالته "النظام العالمي الليبرالي.. ارقد بسلام!".
في عدد شهر نيسان (أبريل)، وضعت مجلة السياسة الخارجية الشهيرة Foreign Policy، صورة حمامة مصابة بسهام قاتلة عديدة وكان عنوان العدد هو "نهاية حقوق الإنسان"، وتضمنت العديد من المقالات التي تتحدث عن الحالة الخطيرة التي وصلت إليها حقوق الإنسان في الأعوام الأخيرة.
قبل هذا وذاك، كان المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، كينيث روث، يحذّر في التقارير الدورية للمنظمة من أنّ هنالك أزمة عالمية غير مسبوقة في موضوع حقوق الإنسان في العالم، وفي مقدمته لتقرير 2016 تحدّث عن خطورة سياسات التخويف من الإرهاب واللاجئين على حقوق الإنسان.
دعونا من الشقّ العالمي لهذا الموضوع المهم؛ إذ تصعد التيارات الشعبوية واليمينية ضد اللاجئين والمهاجرين، فما تزال هنالك قوانين وتشريعات تعطي الحدّ الأدنى المطلوب لحماية المواطنين، بخاصة في دول يحترم فيها القضاء نفسه وفيها مجتمعات مدنية ومنظمات حقوق إنسان تمتلك استقلالية وتخلق توازناً -بدرجةٍ ما- في مواجهة السياسات اليمينية والشعبوية.
لكن المهم اليوم -كما أشارت تقارير حقوق الإنسان- التفكير في الحالة العربية، بخاصة في اللحظة الراهنة، بعد لحظة الربيع العربي، التي حظيت بأطنان من الشتائم والاتهامات، وكأنّ حصول المواطن العربي على حريته وكرامته أصبح أمراً مشبوهاً، ومرتبطاً بنظرية المؤامرة!
على أيّ حال، نحن أمام لحظة غير مسبوقة، أيضاً عربياً، ناهيك عن انهيار الدول وصعود الميليشيات المسلحة، والطائفيات والعرقيات والهويات القاتلة التي تجتاح المنطقة، فإنّ سياسات الرئيس الحالي، دونالد ترامب، لم تُبقِ أي مجال ولا أفق لنشر الديمقراطية أو تبنّيها، فلم يعد الأمر مطروحاً، ولا توجد أي ضغوط خارجية، أدبية أو غيره، لحماية المواطن العربي من تغوّل السلطة وحفظ حقوقه الإنسانية البسيطة، فأصبح أكثر من أيّ وقت مضى مستباحاً تماماً عارياً أمام ترميم الأنظمة السلطوية، لكن بقدرٍ أكبر من الفاشية والتمادي!
لم لا؟! بما أنّ سلاح التخويف من الإرهاب والفوضى فاعل، وبما أنّ الإدارة الأميركية أعطت "ضوءاً أخضر"، وبما أنّ أوروبا والغرب نفسه يعانيان اليوم من ارتباك في التعامل مع ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهي اللحظة المناسبة لقتل أي أمل بالديمقراطية وتكسير أنف مفهوم حقوق الإنسان، وربما سحقه!
أسرد هذه الوقائع والمعطيات والأفكار لتعريف الوضع الراهن، وعندما نتحدث عن حقوق الإنسان، فإنّ ذلك يشمل كل شيء، مثل حق الحياة، الحقوق الأساسية، مناهضة التعذيب، حق التعبير، حرية الإعلام، وهي قيم فضلاً عن أنّها هشّة في العالم العربي، فهي في مرحلة تآكل اليوم مع الأحداث الجارية.
كما ذكر روث نفسه، فإنّ انتهاك حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية والظروف الاجتماعية القاهرة هي الأسباب الموضوعية والجوهرية لصعود الإرهاب، فهي دائرة مفرغة يبدو أنّنا سنبقى ندور فيها.
الغد - الاثنين 14/5/2018