وزارة المالية أم البنك المركزي؟
لماذا يختلف الاقتصاديون عندما يطلب منهم تقـديم حلول ناجعة لدرجة أن مسؤولاً استشار خمسة اقتصاديين فحصل على ستة آراء مختلفة!.
يعود السبب في هذا الاختلاف لكون الاقتصاد ليس علماً دقيقاً، وكل قانون اقتصادي ينطبق إذا بقيت العوامل الأخرى ثابتة، ولكن العوامل الأخرى لا تبقى ثابتة في الحياة العملية.
في مسألة النمو الاقتصادي هناك المدرسة الكنزية التي تطالب الحكومة في ظروف الركود الاقتصادي بأن تزيد إنفاقها العام ولو تراكمت عليها الديون، فطرح المال في السوق ينعش الاقتصاد ويشجع الاستهلاك والاستثمار.
وهناك أيضاً المدرسة النقدية التي أسسها ميلتون فريدمان، وتمارس التدخل عن طريق زيادة عرض النقد لتحقيق نفس الغرض أي معالجة الركود الاقتصادي والعودة للانتعاش.
المدرسة الكنزية تضع العبء على كاهل وزارة المالية-الخزينة، والمدرسة النقدية تضع العبء على كاهل البنك المركزي. وفي الحالتين يتم وضع المزيد من الأموال بأيدي الناس لعلهم يزيدون نشاطهم.
المدرسة الكنزية أعلى كلفة، لأن زيادة الإنفاق العام وتخفيض الضرائب يؤدي إلى ارتفاع المديونية، أي أن الثمن فادح وإن كان مؤجلاً.
المدرسة النقدية أقل كلفة، لأن البنك المركزي الذي يضخ المال في وقت الركود، يستطيع أن يسترد المال بعد حدوث الانتعاش.
في جميع الحالات، فإن طرح المزيد من السيولة في السوق يؤدي إلى التضخم الذي يفرض على السلطة النقدية أن تأخذ بسياسة معاكسة، فترفع أسعار الفائدة، وتسحب ما تستطيع من السيولة المتداولة، أما وزارة المالية فليس لديها أدوات فعالة لمكافحة التضخم.
في التجربة الأردنية، كان العبء الأكبر على كاهل وزارة المالية، ولكن توسع الوزارة في الإنفاق العام، على حساب زيادة العجز وتفاقم المديونية، لم يحقق النتائج المرجوة، ربما لأن العجز والمديونية تضعف الثقة العامة بالمستقبل. وهذه سياسة خطرة، كما أثبتت تجارب الدول الأوروبية المأزومة: اليونان، وايرلندا وغيرها.
ظروف الأردن تتطلب أن تصبح وزارة المالية أكثر تحفظاً وتخفـّض العجز في الموازنة على أن يتولى البنك المركزي مهمة تعويم الأسواق عندما تكون السيولة شحيحة.
البنك المركزي يستطيع استرداد الأموال التي طرحها، أما وزارة المالية فلا تستطيع أن تسترد الأموال التي أنفقتها.