حين تصبح الهجرة قدرا!!
هل كان قدر العربي على امتداد تاريخه ان يهاجر طلبا للنجاة او من ظلم ذوي القربى او بحثا عن قدر من الاكسجين يتيح له البوح عن كل ما يكظم من غيظ.
ما اكثر الشواهد لو شئنا استحضارها، لكن الشافعي اختصرها وذهب بها الى ما هو ابعد، حين قال هاجر تجد عوضا عمن فقدتهم، وقد شبّه الاقامة بالماء الآسن، اما الهجرة فهي الماء الجاري!
ما اكثر اسباب الهجرة وما اقل ما كتب عنها بلا تواطؤ، خصوصا في عصرنا الحديث الذي كثر فيه الكلام عن هجرة الادمغة ونزيف الكفاءات والانتصار على اسباب اقتصادية فقط او سياسية فقط به كثير من الاختزال المتعسف لأن هناك من يهاجرون على الطريقة التي وعظ بها الشافعي وهي البحث عن بدائل، سواء للواقع الاسن او لمن يشعر المهاجر بأنه افتقدهم، فالشافعي يعده بأن يجد الافضل منهم!
ومن اعادهم الحنين الى مساقط رؤوسهم بعد زمن طويل غالبا ما ندموا ولدينا امثلة لا تحصى، فالعالم لا يجد مجالا حيويا لتطوير تجاربه والمثقف يشعر بأنه فائض حاجة مجتمعه اليه، لأنه يتحدث عن الورد الذي لا يطبخ ولا يؤكل، وقد نجد لدى الشعوب الاخرى امثالا شعبية عن عدم انصاف الانسان في وطنه، فالانجليز يقولون ان حديقة الجيران هي الاكثر اخضرارا من حديقتنا، لكن الامر لم يصل بعد الى حد القول ان لا كرامة لنبي في وطنه، او ان مغنية الحي لا تطرب.
وما طرأ في ايامنا على ثقافة الهجرة يعد كارثيا بكل المقاييس لأن عشرات الالوف الذين يغامرون بالهجرة عبر البحر بقوارب بدائية تكون مفاضلتهم بين الاقامة في الجحيم والموت، ولم يحدث ان عشق شعب المنافي كما عشقها العرب لأنها ارحم، ومن قال بلادي وان جارت علي عزيزة سيسمع من يقول له سأرحل عن بلاد انت فيها ولو جار الزمان على الفقير!!
الدستور - الاحد 27/5/2018