وجها دمعة واحدة!!
ما هو سبب وجيه للحب قد يصبح سبباَ أكثر وجاهة للكراهية ، هذه العبارة مكثت في ذاكرتي منذ قرأتها لأول مرة في كتاب تأملات نادر لألبير كامو ، ولم يخطر ببالي أنني سوف استعيدها بعد ثلاثين عاما ، سواء تعلق الامر بامرأة أو مدينة أو حتى فكرة..
ان من غرابة أطوار الكائن البشري أنه يبكي في اللقاء والوداع معاً. وفي الحزن والفرح أيضاً ، وحقيقة هذا الموقف أبعد من الدموع ومن الكلمات ، فالانسان يدرك في العمق أنه عابر في هذا العالم ، لهذا لا تستطيع أحلامه الوردية أو الزرقاء أن تنافس كوابيسه ، وهذا ما أحس به دانتي عندما كتب الكوميديا الالهية ، فقد أعطى للجحيم من الصفحات والمساحة أضعاف ما أعطى للفردوس ، وليس لهذه التداعيات مناسبة محددة ، رغم أن الناس يصادفون يومياً ما يذكرهم بهذا الشجن المزمن.
لم أصدق مثلا أن أباً فقد ابنه الوحيد في حادث سير سوف ينساه خلال أقل من شهر ويدفع ديته مهراً لامرأة ، ولم أصدق ان زوجاً بدأ بالتفاوض مع جيرانه على الزواج من احدى بناتهم أثناء جنازة الزوجة ، فما قرأناه ذات يوم ظننا أنه من ابتكار خيال الرواة ، لكن من يعش أكثر يَرَ ما هو أبعد وأعجب ، لهذا يقال بأن الحياة رغم تشبث الانسان بها لا تعود عزيزة في أزمنة يبتذل فيها كل شيء ، فالاقبال على الحياة والادبار عنها ثنائية جدلية لا يقر لها قرار ، وهذا ما يعبر عنه شبنجلر الالماني بقوله ان هناك أزمنة يفقد فيها الناس الخوف من الموت ، ليس لأنهم شجعان أو حكماء وزاهدون بل لأنهم فقدوا الرغبة في البقاء ، وقد يكون هذا الزمن الذي نموته يومياً أكثر مما نعيشه أحد تلك الازمنة ، لأن الانسان فيه ضل الطريق الى نفسه أولا ، وفوجىء بأن الأبواب التي فتحها تباعاً لا تفضي الى ما يريد..
هل ابتعدت كثيراً عن البداية؟ وعن ذلك السبب المقلوب للحب والكراهية؟ لا أظن ذلك ، فاللحظة الحرجة التي يعيشها الانسان وهو يعتذر لنفسه عن خطأ ما ، أو لمدينته عن نفور مزاجي غير مبرر منطقياً يشعر بأن القلب عندما ينوب عن الدماغ في التفكير يوقعه في أكثر من مأزق. فأحياناً نكون جالسين بقرب شخص ما في حافلة أو طائرة أو قطار ونشم رائحة مزعجة وأول من نتهمه بمصدرها هو هذا الجار المسكين لنكتشف بعد قليل ان لها مصدراً آخر سواء من النوافذ أو من الهواء الخانق في المكان ، وهذا ما دفع حكيماً الى موعظة غالباً ما ينساها حتى أشد المتحمسين لها ، وهي امهل نفسك دقيقة واحدة قبل ابداء أي رأي.. ويوما كاملا قبل اتخاذ أي قرار حاسم،
الاغتراب الطوعي يلبي هاجس المغامرة لدى بعض الناس الذين يعانون من فائض الطاقة والأسئلة والقلق ، لكنهم سرعان ما يكتشفون أن الغرباء الذين يحتفون بهم لا يفعلون ذلك حباً فيهم أو اعجابا باستثنائيتهم ، بل لأنهم ضجرون من بعضهم ، وبانتظار أي طارىء حتى لو كان غزو البرابرة لانقاذهم من أيامهم الرتيبة الباردة ..
والصوفي الذي سئل عن أحب المدن الى قلبه قال إنها تلك التي ترك فيها قلبه ، اما العادي من البشر ونحن مثله فان هناك مدنا تفي وأخرى تخون ولهذه الحكاية بقية نؤجلها قليلاً،،(الدستور)