حكومة النهج الجديد!

تم نشره الإثنين 11 حزيران / يونيو 2018 12:57 صباحاً
حكومة النهج الجديد!
جميل النمري

على مدار أسبوع بين الأربعاء والأربعاء، على محيط الرابع، قدم الشباب الأردني عرضا في العمل الاحتجاجي أبهر الجميع في الخارج كما في الداخل، بما في ذلك الحكومة نفسها التي كانوا يطلبون إسقاطها. فأسقطوا المقولة التقليدية عن هيبة السلطة التي تستوجب عدم الاستجابة تحت الضغط، وببصيرة ثاقبة استجاب جلالة الملك فورا، وذهب الى تكليف شخصية تتلاقى بالضبط مع المعاني والدلالات التي استبطنتها حركة الشباب. ولطالما تقدم الملك على كل من يحيطون به في رؤية الفرص الجديدة في التحديات الخطيرة، ولطالما مكنت هذه الرؤية الفطينة الأردن من تجاوز أصعب الأوقات وأقسى الأزمات.
كان يحدث في زمن الاسترخاء أن المصالح والعقليات والثقافة القديمة تعود لتتسيد في المجتمع وفي إدارة الشأن العام. وانعدام الحرص على المال العام ومظاهر الإهمال والهدر والبذخ والامتيازات التي استمرت عبر المحطات القاسية على الاقتصاد من انقطاع الغاز المصري وارتفاع أسعار النفط الى إغلاق المعابر مع سورية والعراق وضرب النقل والسياحة والصناعة والركود الاقتصادي وبالنتيجة ارتفاع المديونية وتفاقم عجز المالية العامّة، تطورات كانت تستدعي حالة طوارئ اقتصادية من ضمنها ضبط النفقات الجارية وتقليص الامتيازات بصورة دراماتيكية لتوفير المال للنفقات الرأسمالية التي تنقذ الاقتصاد من الركود، لكن الحكومات لجأت كالعادة الى الحلول المالية السهلة؛ أي الجباية من المواطن لنصل الى النقطة الأخيرة التي طفح معها الكيل.
كان يمكن للحكومة تجاهل الأمر والمضي قدما في عملها لو خرجت الاحتجاجات غوغائية فوضوية وانتقامية، وكان الأمن قادرا على ردعها وقمعها وبغطاء من الرأي العام الذي يجفل من أي مظاهر تهدد أمن البلد واستقراره، لكن ما حصل كان شيئا فريدا يتجاوز في أهميته الاحتجاجات نفسها الى دلالاتها بالنسبة لتطور المجتمع المدني. ودعوني أذهب الى زاوية بعيدة واحدة في النظر للأمر. إن ثقافة الإنتاجية والمسؤولية والإنجاز ضعيفة في مجتمعنا وتخنقها ثقافة البلاغة العاطفية والفردية والأنانية والمراوغة والتبرير، ونجد هذا في علاقة الناس بدولتهم وفي سلوكهم حين يكونون معارضين أو محتجين، لكن الوقائع هذه المرة أظهرت شيئا مختلفا مفعما بمعان ثقافية متقدمة. لقد مورست الاحتجاجات بواقعية وكفاءة ومسؤولية ليس من نخبة تعدّ بالعشرات بل بعشرات الآلاف ولم يكن لمراقب نبيه إلا أن يتوقع نجاحها في إنجاز أهدافها. وفي الحياة اليومية، كان يمكن رصد هذا التطور في ثقافة الأبناء من الطبقة الوسطى من دون الإحاطة بدلالاته حتى جاء الامتحان الأخير ورأينا كيف يتفاعل الشباب مع الحدث والعمل الجماعي بكفاءة ووعي وذكاء وروح عملية ومسؤولية متحللين من العقد والخوف وقد حلّ محلهما إحساس طاغ بالحق والمشروعية. لقد اكتشفنا جيلا جديدا يعكس معنى تطور المجتمع المدني، وهو سوف يحتل في قادم الأيام المساحة الشاغرة في السياسة التي كانت تشغلها الإيديولوجيا والعقائدية.
أمام الحكومة المقبلة فرصة تحويل التحدي الاقتصادي الاجتماعي الخطير الى مسار نهوض جديد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وفي المدى القريب، ستمنح فزعة الأشقاء المأمولة القدرة على تجنب إجراءات أكثر قسوة على معيشة الناس، وإذا فتحت الحدود شمالا سنحصل على فرص إضافية، لكن أبدا للاسترخاء وتجاهل خفض الامتيازات والضبط الصارم للنفقات ومنع البذخ والهدر. ثمة إجراءات وقرارات قوية يمكن ويجب أن تبادر لها الحكومة ليس للشعبوية بل عربون ثقة للنهج الجديد.

الغد - الاثنين 11/6/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات