هل ينتظر عباس سلماً للهبوط عن الشجرة، ومن سيقدمه له؟
بعد عودته من آخر جولة له في المنطقة، يبدي الفريق الأمريكي بعملية السلام و»صفقة القرن»، اهتماماً استثنائياً بضرورة «جلب» الفلسطينيين مجدداً إلى مائدة المفاوضات، وكسر قرار القيادة الفلسطينية وقف جميع اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية... فالفريق الأمريكي برئاسة مستشار الرئيس وصهره جارد كوشنير، أدرك على ما يبدو، وإن متأخراً عاماً كاملاً على الأقل، أن أحداً من القادة العرب، مهما «ضربه الاعتدال»، لن يتحدث باسم الفلسطينيين أو يفاوض نيابة عنهم.
والمؤكد أن الإدارة الأمريكية ما كانت لتذهب في هذا الطريق، لولا أن عرباً كثراً قد طمأنوها إلى قدرتهم على تليين الموقف الفلسطيني واحتواء غضب القيادة الفلسطينية و»حردها»، وأن لديهم من سطوة النفوذ والمال، ما يمكنهم من إزالة أية عقبة على الطريق... مثل هذا لم يحدث، والمبادرة التي يسوقها كوشنير وصحبه، عصية على الهضم والابتلاع، ومن الصعب تسويغها وتسويقها... لا بل أن قادة عرباً أدركوا وإن متأخرين بعض الشيء، أن الانخراط بأكثر من اللازم في الترويج لمبادرة من هذا النوع، ومحاولة فرضها على الفلسطينيين، ستكون له أوخم العواقب على مكانة دولهم وحروبها الإقليمية المشتعلة، وربما على «شرعياتهم» ونظرة شعوبهم لهم.
على أية حال، واشنطن لن تكل ولن تملّ، وهي ستطرق كل الأبواب لإعادة تفتيح قنوات الاتصال مع الفلسطينيين بعد أن أدركت أنهم لن يمنحوا تفويضاً لأحد للحديث باسمهم أو نيابة عنهم... هنا، وهنا بالذات، تسعى واشنطن للاستفادة من مواقف عربية، رسمية وإن كانت غير معلنة، لا تبدو مرتاحة أو متوافقة مع مواقف القيادة الفلسطينية بشأن قطع الاتصالات مع واشنطن... إذ حتى الدول التي رفضت «صفقة القرن» وقرار ترامب بشأن القدس ونقل السفارة، لا تبدو متحمسة لاستمرار القطع والقطيعة بين الفلسطينيين والأمريكيين، وثمة دوائر غربية ودولية، تشاطر هذه الدول موقفها من هذه المسألة.
من موسكو، شقّ بوتين أول طريق التفافي حول قرار السلطة بوقف الاتصالات مع الجانب الأمريكي... هذه المرة بالاعتماد على «دبلوماسية المونديال»، حيث تدور التكهنات حول إمكانية ترتيب لقاء بين نتنياهو وعباس، برعاية «القيصر»... إن حصل لقاء كهذا، يكون الرئيس الفلسطيني قد قطع أكثر من نصف الطريق باتجاه واشنطن... وربما بعد قمة هلسنكي (بوتين – ترامب)، بعد أسبوعين، يجري التمهيد لقطع النصف الآخر من الطريق، سيما إن ضمنت موسكو لنفسها مقعداً إلى جانب الوسيط والراعي الأمريكي، ومن ضمن تفاهمات أمريكية – روسية أوسع حول القضايا الدولية، التي يبدو أن ثمة مناخات انفراج متفائلة، تحيط بها وتتنبأ بها، سيما بعد الزيارة التمهيدية التي قام بها «صقر الإدارة» جون بولتن إلى موسكو ولقائه المهم مع فلاديمير بوتين.
القرار الفلسطيني بوقف كل أشكال الاتصال مع واشنطن، وإن كان مفهوماً تماماً من حيث أسبابه ومبرراته، إلا أنه ما زال يثير سجالاً صامتاً وخلف الأبواب المغلقة غالباً... لا أحد من العواصم العربية، يريد أن يظهر بمظهر من يمارس الضغط على الفلسطينيين لتفتيح قنوات التواصل والحوار مع واشنطن، سيما بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها... لكن أحداً لم يبد في العلن تأييده للخطوة الفلسطينية، دع عنك محاكاتها ومجاراتها، وهو أمرٌ مستبعد للغاية.
وأحسب أن ثمة جدلاً صامتاً يدور في أروقة صنع القرار الفلسطيني، حول جدوى وجدية هذا القرار، وإلى متى يمكن أن يستمر العمل به، وهل من الحكمة مقاطعة الدولة الأعظم، صاحبة التأثير الأكبر في مسارات الأزمة الفلسطينية؟... يبدو أن أحداً في رام الله، بحاجة إلى سلم للهبوط عن قمة الشجرة، ويبدو أن كثيرين مستعدين لتقديم هذه السلالم، لكن السؤال، ما هو المقابل الذي ستحصل عليه السلطة نظير ذلك، وهل يتعلق الأمر بمضمون «صفقة القرن» ذاتها، أو بالعودة عن قرار القدس (وهذا مستبعد جداً)، أم أن الثمن المنتظر سيكون في غزة، وما يحيط بها من ترتيبات، يتعين من منظور السلطة، أن تمر من خلالها ومن خلالها وحدها، حتى لا يُصَبّ القمح صافياً في طاحونة حماس والانقسام على حد سواء.
كما وأحسب أيضاً، أن هذا الموضوع، ربما يكون أثيرا في واشنطن، في القمة الأردنية – الأمريكية، تأسيساً على سابقة أردنية، نجحت خلالها عمان في إعادة عباس ونتنياهو إلى مائدة مفاوضات في عمان، برعاية جون كيري، في أواخر العام 2014، بعد فترة طويلة من الانقطاع والقطيعة... فهل ستطلب إدارة ترامب من الأردن أمراً كهذا، وكيف سيكون الرد الأردني، سيما وأن عمان، لم تكن لتؤيد قرار قطع الاتصالات وإغلاق القنوات الدبلوماسية الممتدة بين رام الله وواشنطن؟... أسئلة ستتضح الإجابات عليها في غضون الأيام والأسابيع القليلة القادمة.
الدستور - الجمعة 29 / 6 /2018