الهشاشة المرعبة
صدر في شهر نيسان الماضي في لندن، تقرير خطير لم يتم الانتباه إليه في الإعلام العربي؛ وهو تقرير أعدته لجنة من الخبراء والساسة والأكاديميين برئاسة رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كامرون، وتناول بالأدلة كيف أسهم العالم الغربي المتدمن في الهشاشة المرعبة التي يواجهها العالم، وكيف أسهمت السياسات الدولية في تحويل عشرات الدول في العالم الى دول هشة وفاشلة، وإلى أين سيأخذ هذا المصير العالم؟ هل الى المزيد من الإفشال والهشاشة والإفقار؟ التقرير يحمل رسالة مهمة وجريئة وخطيرة أيضا للدول الخاضعة للوصفات السياسية والاقتصادية للمنظمات الدولية.
جاء التقرير بعنوان (الهروب من فخ الهشاشة-Escaping the fragility trap)، ويطرح مفارقة مهمة أنه على الرغم من استمرار النمو الاقتصادي العالمي، وزيادة الاهتمام الدولي في قضايا الأمن والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال العقدين الماضيين، فإن المؤشرات السالبة وصلت إلى ذروتها، على سبيل المثال، في الفشل الاقتصادي وضعف الأمن وفي أعداد اللاجئين في العالم وفي موجات الهجرة غير الشرعية التي يرافقها قشرة من المشاعر وصراخ العواطف للمنظات الدولية.
كبرى المشاكل التي تواجه عالمنا المعاصر اليوم تعود الى هشاشة الدولة: الفقر المدقع والهجرة الجماعية وأزمة اللجوء والإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات وغير ذلك، صحيح أن بعض هذه المشاكل قديمة، لكن لم تصل في يوم الى هذه الخطورة ولم تصل درجة التسارع في التدهور الى ما هو عليه الحال اليوم، من المتوقع بحلول 2030 أن يكون نصف فقراء العالم في دول هشة.
التقرير الصادر عن ائتلاف مؤسسات أكاديمية منها مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وجامعة أكسفورد، يذهب الى أن أسطورة كبرى حكمت عمل الدول الكبرى والمؤسسات الدولية مفادها أن وجود كيانات سياسية وأحزاب متعددة وإجراء انتخابات وتمكين الأغلبية من الحكم ستحقق الشرعية والديقراطية والاستقرار، ويثبت التقرير بالأمثلة والأدلة أن التدخلات الخارجية، وفق هذه الوصفة والمسار، قادت العديد من دول العالم القوية الى فخ الهشاشة، والمثال الواضح ما حدث في العراق وما يحدث في سورية وليبيا؛ دول ليست فقيرة ومستقرة نسبيا تحولت الى دول هشة، كانت هذه هي الأسطورة التي سيرت النهج الذي اتبع بعد الإطاحة بصدام حسين في العراق، وهدم كل بقايا الدولة العراقية السابقة، واستبدالها بدستور جديد وحكومة اختيرت من خلال انتخابات متعددة الأحزاب. بحلول 2006 واجه المجتمع العراقي تحديات وجودية ومستويات عنف مروعة ما تزال الى اليوم.
تكرر ذلك باستخدام الوصفة نفسها مع العقيد القذافي في ليبيا، الرئيس مبارك في مصر، الرئيس موبوتو في زائير، الحكم القمعي في جنوب السودان، ومع ذلك لم تصبح أي من هذه المجتمعات ديمقراطيات مزدهرة. بدلا من ذلك، تفكك كل منها إلى درجات متنوعة من الفوضى والفشل.
أبرز مظاهر الهشاشة أو الطريق الى الهشاشة تبدو في فقدان الشرعية المرتبطة بالأمن عندما تفتقد الدولة الشرعية في أعين مواطنيها، فإن ذلك يضعف قدرتها على تحقيق تجاوب أفضل من قبل مواطنيها عندما تطلب منهم التقيد بالنظام ويزداد ضعفها في إنفاذ القانون. والهشاشة تبدو في ضعف الخدمات العامة وفي ضعف القطاع الخاص، وحينما تريد الدول تطبيق الوصفات المصدرة بتقديم المزيد من التسهيلات لهذا القطاع تصبح هذه الفرص بيئة للفساد.
يخلص التقرير الى أن الهروب من فخ الهشاشة يبدأ داخليا من القدرة على بناء أجندة إيجابية؛ أي خلق الشعور بالهدف المشترك، لتحقيق مكاسب متبادلة طويلة الأجل، فعندما يكون الناس أقل خوفا من بعضهم بعضا، يمكنهم الشروع في التعاون، في المجال الاقتصادي ينصح التقرير الدول الكبرى بألا تشترط لتمويل الدول الصغيرة الالتزام بسياسات معينة، بل أن تطلب منها أن تطور برامجها الاقتصادية وتحدد أولوياتها والتوقف عن الافتراض بأن الهشاشة يمكن أن تنتهي بعمليات تكرار سطحية لنماذج أخرى من خلال دساتير جديدة وانتخابات متعددة الأحزاب وحكم الأغلبية، وهذا يعني أن سيادة القانون ونفاذه وبناء مؤسسات قوية وحماية الأقليات ووضوح في الهوية والالتفاف حولها أهم من إجراء انتخابات أو تشكيل الأحزاب.
الغد - الاحد 22/7/2018