طريق عمّان-دمشق
إعادة فتح الحدود الأردنية-السورية أمام حركة البضائع بداية، ثم الناس لاحقاً، هي مصلحة استراتيجية مشتركة، بالضرورة، لكلتا الدولتين، بل لدول عديدة في المناطق، وربما من الطرافة -كما ذكر الزميل عريب الرنتاوي- أن يكون النقاش لبنانيا حول معبر نصيب (الأردني-السوري) أكثر سخونة من النقاشات الأردنية، لأنّ المصالح لبنانية مرتبطة به أيضاً؛ أي بالطريق البري نحو الخليج العربي.
السوريون والروس متحمّسون كثيراً لفتح المعبر بين الدولتين، وقرأنا (في تقرير الزميل موفق كمال أمس -في "الغد"-) تصريحاً لمصادر روسية بأنّ طريق عمّان-دمشق أصبح آمناً. والمسؤولون الأردنيون لا يقلّون حماسة عن فتح المعبر أمام البضائع والسكان، لأنّنا عملياً وموضوعياً -أردنيّاً- كنا خلال 7 أعوام تحت الحصار نتيجة الإغلاق الرسمي أو العملي لحدودنا مع العراق وسورية.
مع ذلك، فمن الضروري أن ندرك بأنّ عودة المعبر وفتح الطريق الاستراتيجي المهم مرتبطان بمعادلات وشروط سياسية وأمنية واقتصادية، وبما يتجاوز فقط الجانب الأمني أو العسكري فقط، إلى الطريق السياسي نفسه، والتفكير في العلاقة ليس فقط مع النظام السوري، بل مع الروس والإيرانيين، فالأمور أصبحت أكثر تعقيداً مما كانت عليه حال العلاقات الثنائية بين الدولتين في العقود السابقة؛ أي مرتبطة بانفراج العلاقات أو توترها.
صحيح أنّنا يمكن أن نستفيد معاً من فتح الطريق اقتصادياً، على الأقل، عبر حركة البضائع والسلع، لكن ذلك أيضاً لا يمكن فصله عن المصالح الأردنية الاستراتيجية المرتبطة بالاستقرار السياسي في سورية نفسها، الذي يمثّل عماد الاستقرار الأمني للطريق. فالطريق يمرّ عملياً وسياسياً بالمجتمع المحلي السوري، في درعا ودمشق وريف دمشق، وصولاً إلى الشمال إن كنّا نتحدث عن الطريق بوصفه جزءاً من المسارات الإقليمية نحو تركيا ولبنان، ثم أوروبا وبقية العالم.
هل يوجد مانع أو حائل دون الوصول إلى هذه المرحلة، ولو جزئياً، على الأقل؟ أظن لا يوجد في حال كان النظام السوري -ومعه الروس والإيرانيون- مستعدّاً للنقاش في الرؤية الأردنية، التي لا تفصل ما بين الحدود والاستقرار السياسي والأمني في سورية، وقضايا أخرى مثل الأشقاء اللاجئين والوجود الإيراني في سورية، وكثير من التفاصيل التي قد ينظر لها البعض بوصفها تفاصيل في المشهد السوري، لكنّها في الحقيقة، نتيجة التطورات والأحداث، أصبحت "مسألة إقليمية" ومرتبطة في بعض أبعادها الاستراتيجية بالأمن الوطني الأردني على أكثر من صعيد.
هذه الحيثيات تذكرنا بالنقاش والحوار حول طريق عمّان-بغداد، مع اختلاف المعطيات السياسية والاستراتيجية بين الحالتين، بطبيعة الحال، لكن فتح الطريق لم يكن مرتبطاً بالشق الأمني الفني فقط، بقدر ما اتضح أنه على علاقة عضوية بمسائل سياسية داخلية عراقية، مثل المسألة السنية (المجتمع السني العراقي، والتفصيل هنا من باب التحليل السياسي فقط، وليس قبولاً ولا شرعنة للبعد الطائفي) لأنّ العراقيين السنّة، الذين يشعرون بالتهديد هم من يسكنون في المناطق التي يمرّ بها الطريق، وبمسائل إقليمية مثل العلاقة مع إيران، التي لها هي الأخرى مصالح ومطالب استراتيجية.
يساعد الروس على تذليل العقبات والوصول إلى تفاهمات -في الحدّ الأدنى- مرتبطة باستعادة فتح الطريق جزئياً، وهو أمر جيّد، وهنالك تصوّر أردني مرتبط بالمدى القصير والمتوسط والبعيد، ويمكن البدء بخطوات محدودة في المرحلة المقبلة وصولاً بالتدريج إلى مرحلة متقدمة مستقبلاً.
الغد - الاثنين 23-7/208