البطالة أمّ الكوارث كلها!!
لم تكن المقولة التي توارثها العرب عبر الاجيال وهي ان الحاجة ام الاختراع من المحسنات البديعية ولا بد ان تكون هذه العبارة تكثفت من خبرات طويلة لأن كلمة الحاجة تشمل كل الضرورات البشرية، بدءا من اشباع الغرائز حتى تحقيق الذات. ولو كانت البطالة معروفة لديهم قبل العصر الصناعي لقالوا انها ام الاربع واربعين كارثة في حياة البشرية، لكن العهود الزراعية التي كانت صلة الانسان وثيقة بالطبيعة والارض لم تكن البطالة بمعناها المعاصر قد ظهرت وتبلورت فيها الدلالات المتداولة الان، وحين ارتفع منسوب البطالة في الوطن العربي بدأ ينذر بانفجارات لا يعلم الا الله مداها لأن البطالة ليست حرمانا من الغذاء والامان فقط، بل حرمان شامل لا ينجو منه شيء، فالتعليم يتراجع وكذلك الصحة والعاطفة الوطنية كلها تصاب بالانيميا، ويشعر الانسان العاطل عن العمل انه عاطل عن الحياة كلها، وقد يكون حزب العاطلين عن العمل في عالمنا العربي هو الاكثر عددا وانتشارا لكنه حزب بلا امين عام ولا شعارات له غير الرغيف، فالجياع لا يحلمون بما هو ابعد من الوجبة القادمة ولا وقت لديهم كي يتحسسوا ما ضاع او ما تبقى من حريتهم.
وهناك دراسات اجتماعية وسايكولوجية ظهرت في الغرب عن النتائج الكارثية للبطالة خصوصا حين تؤدي الى العزلة، وحين نقرأ ذروة العزلات للطاهر بن جلون ونرى ما يورده من امثلة عن ضحايا البطالة والعزلة نشعر بالفزع، فالبطالة سبب مباشر لتصاعد وتيرة الجريمة ومجال حيوي لاستثمار العنف والارهاب وهي ايضا المادة الخام التي تنسج شرورا لا آخر لها لأن الانسان يكون في اقصى درجات الحاجة والضعف وفقدان التوازن، ولم تكن البطالة بعيدة عن اقذر ما افرز عصرنا من مضادات للحياة والسلام والتعايش وهو الارهاب.
الحاجة بالفعل أم الاختراعات لكن البطالة أم الكوارث والفجائع وثقافة الانتحار!
الدستور - الاثنين 3/9/2018