المغرب.. هل يوشك الائتلاف الحكومي على الانفجار؟
مراقبون: التجاذبات القائمة داخل «العدالة والتنمية» بين أنصار كلٍّ من بنكيران والعثماني تلعب دوراً مؤكداً في تأجيج الصراعات والخلافات القائمة داخل الغالبية الحكومية
هل يوشك التحالف الحكومي القائم في المغرب على التفكّك والانفجار؟!. مردّ هذا التساؤل يعود إلى أسباب عدة، يقف في مقدّمها التراشق اللفظي الذي حصل مؤخراً بين حزب «التجمع الوطني للأحرار»، الشريك في الحكومة وبين الحزب الأول فيها، علماً أنّ الحكومة المغربية تتكوّن من ستة أحزاب بقيادة «العدالة والتنمية»، إلى جانب «الأحرار»، و«الحركة الشعبية»، و«الاتحاد الاشتراكي»، و«التقدم والاشتراكية»، و«الاتحاد الدستوري».
وقد عزا بعض المحللين أسباب هذا التراشق إلى توجهات سياسية عليا، ضمنية وغير مفصح عنها، لدى السلطة «المخزنية»، لإضعاف نفوذ الحزب القائد للأغلبية الحكومية (ذو المرجعية الإسلامية)، على غرار ما جرى مع أمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، الذي كان مكلفاً في البداية تشكيل الحكومة، وتمّت عرقلته في نظر البعض للأسباب ذاتها، وذلك بانتظار ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات القادمة في العام 2020.
وفي المقابل، رأى آخرون أنّ ما حدث مجرد «تكتيكات سياسية» يرمي من خلالها كلّ حزب إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب بقية حلفائه في الغالبية الحكومية، وخاصة بعد نجاح «حملات المقاطعة» التي خاضها المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمقاطعة بعض المنتجات اعتراضاً على ارتفاع أسعارها، حيث هناك من يقول إنّ «العدالة والتنمية» يأمل استغلالها سياسياً، واستخدامها كخطوة لـ«إلهاء المغاربة وامتصاص غضبهم تجاه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمرّ بها المملكة»، من جهة، وتكريساً، من جهة أخرى، للنهج الذي اعتاد ممارسته وهو «قيادة الحكومة والتنصّل في الوقت نفسه من المسؤولية السياسية عما يجري في البلاد»!.
وفي هذا السياق، رأى مراقبون أنّ التجاذبات القائمة داخل «العدالة والتنمية» بين أنصار رئيس الحكومة السابق بنكيران، وبين «جناح» الرئيس الحالي للحكومة والأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، تلعب دوراً مؤكداً أيضاً في تأجيج الصراعات والخلافات القائمة داخل الغالبية الحكومية. فقد يعمد أنصار بنكيران إلى إطلاق تصريحات مسيئة إلى هذا الحزب أو ذاك، بغرض إرباك عمل رئيس الحكومة، مثلما جرى أخيراً مع حزب «الأحرار»، في وقت لا يرغب فيه العثماني بذلك.
ولفت المراقبون إلى أن العثماني لا يريد خسارة حزب التجمع برئاسة عزيز أخنوش، وخاصة أنه يقود تحالفاً مكوناً من 4 أحزاب داخل الائتلاف الحكومي؛ وهي «الأحرار- الحركة الشعبية ـ الاتحاد الاشتراكي- الاتحاد الدستوري»، ويمكن أن ينضمّ إليهم حزب «التقدم والاشتراكية»، إذا لم يُقدّم له العثماني تعويضاً عن إعفاء الوزيرة شرفات أفيلال من منصبها في الحكومة.
وأشار آخرون إلى تعديل حكومي مرتقب في المغرب، لترجمة خطاب الملك عن «الملكية الاجتماعية»، حيث من المنتظر أن يتم «هيكلة القطاعات الوزارية مع البرنامج الاجتماعي عبر تجميع القطاعات الاجتماعية، بما سيسفر عن حذف وزارات و ظهور وزارات أخرى».
التوتر بين «الأحرار» و«العدالة والتنمية»
وكان رشيد الطالبي العلمي، أحد قادة الأحرار ووزير الشباب والرياضة في الحكومة، قال إن حزب العدالة «يقود مشروعاً دخيلاً تخريبياً يهدد أمن البلاد». وهو تصريح وصفه «العدالة والتنمية» بـ«السافر» وبأنه «ضرب لقيم الأخلاق والعمل المشترك»، مُبدياً استغراب صدوره من وزير ما زال موجوداً «في حكومة يقودها ذلك الحزب الذي يحمل مشروعاً تخريبياً»!، وهو ما فهم منه دعوة لإقالة أو استقالة العلمي.
وسرعان ما دخل على الخط رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، (وزير الفلاحة والصيد البحري، والملياردير القوي المقرّب من القصر)، وردّ بهجوم عنيف على العدالة والتنمية، معتبراً أنّ ردّ فعله على تصريحات العلمي، «متهافتة ومتضخمة وغير مفهومة»، استهدفت عضواً للمكتب السياسي كان يتحدث أمام شبيبة الحزب، و«يمارس حقه في التعبير فيما يتعلق بالخيارات الاقتصادية التي يمكن لبلدنا أن يسير على منوالها أو يتفاداها».
واعتبر أخنوش أنه اضطر للردّ على هذا النحو، لأن «هذا هو النقاش الذي اختار البعض جرّنا إليه»، في «لحظة (كنا) نعتقد فيها أن الوطن يجب أن يتأهب لمجابهة التحديات التي تواجهه، ونحن مدعوون فيها جميعاً للتجاوب مع النداءات الملكية التي (وضعتنا) جميعاً أمام مسؤولياتنا»!.
وأضاف أن «التجمع الوطني للأحرار مستمر في التركيز على أولوياته المتصلة بتنمية القطاعات الاجتماعية بالمغرب، وإيجاد الحلول لمشكلة عجز النموذج التنموي، والبطالة التي تراكمت خلال السنوات السبع الماضية واتخذت أبعاداً تدق ناقوس الخطر، على الرغم من محاولات تشتيت الانتباه»!.
موقف «التقدم والاشتراكية»
وبدوره، دخل على خط الخلاف الناشب حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقاً، المشارك بالحكومة ولكن من موقع التحالف مع العدالة والتنمية)، واعتبر أنّ «حرب البلاغات والتصريحات بين حزبين من الأغلبية الحكومية، وتزايد مظاهر الاحتقان على الساحة الاجتماعية تنتعش في أجواء سلبية تُخيم على الوضع العام، حيث تتواصل الضبابية والأزمة في الحقلين السياسي والحزبي، ويتعمق الإحساس بانسداد الآفاق أمام شرائح اجتماعية واسعة».
وطالب الحزب في بيان بـ«تغليب روح المسؤولية والجديّة عوض التمادي في الممارسات العبثية، المتمثلة في إصرار بعض مكونات الأغلبية على مواصلة أسلوب تبادل الاتهامات والخروج بتصريحات مجانيّة مجانبة للصواب، تزيد من تعميق أزمة الثقة والنفور من أي عمل سياسي وفعل حزبي مسؤول ومنظم ومنتج»!.
العنصر أميناً عاماً لـ«الحركة الشعبية» لولاية تاسعة
أُعيد انتخاب محند العنصر أميناً عاماً لحزب الحركة الشعبية المغربي، المشارك في الحكومة لولاية تاسعة، بعد أن فاز على منافسه مصطفى أسلالو، عضو المكتب السياسي للحزب، وذلك خلال المؤتمر الـ13 للحزب، الذي عُقد في الرباط (29/9). وكان متوقعاً فوز العنصر، الذي ظل على رأس الحزب لمدة 32 عاماً، بعد أن تراجع عن وعد قطعه على نفسه بعدم دخول سباق المنافسة مجدداً، والاكتفاء بثماني ولايات على رأس الحزب، مبرراً تراجعه بأن عدداً من أعضاء الحزب «دفعوه إلى الترشح».
وبفوز العنصر يكون «الحركة الشعبية»، الذي يُعدّ من الأحزاب المقربة إلى «المخزن»، الحزب الوحيد الذي لم يُجدّد قياداته، وتمسّك بما يوصف في الحقل السياسي المغربي بـ«الزعامات الخالدة». ورأى مراقبون في ذلك ما يدعو للأسف، من منطلق أنّ ما جرى يناقض ما دعا إليه الملك المغربي محمد السادس في خطاب العرش الأخير، عندما «حثّ قيادات الأحزاب المغربية على ضخّ دماء جديدة في هياكلها، بغية تطوير أدائها، واستقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي».
ولتبرير موقفه قال العنصر إن «من الخطأ فهم خطاب الملك الداعي إلى استقطاب النخب والانفتاح على الشباب، بأنه مرتبط فقط بمنصب الأمين العام». في حين أرجع بعض قيادات الحركة الشعبية الأمر إلى كون العنصر «شخصية توافقية ورمز للإجماع الداخلي، وتفادياً لانقسام الحزب وتصدعه، بعد أن هدّد البعض بتركه في حال رفض العنصر الترشح»!.
وأتى انعقاد المؤتمر العام للحركة الشعبية في ظل تجاذبات سياسية حادة بين حزبين رئيسيين في الحكومة، الأمر الذي انعكس على المداخلات التي ألقاها عدد من زعماء الأحزاب السياسية خلال افتتاح المؤتمر. في وقت لفت فيه أحد قيادات الحزب إلى أن «المغرب يمرّ بظرفية اقتصادية صعبة بالتزامن مع فقدان المواطنين ثقتهم في الأحزاب، وأن المغرب يقاوم من أجل التخلص من سموم الريع والفساد، داعياً إلى بناء مجتمع يوفر التوازن الجهوي والتنموي في كافة مناطق المملكة».
وفي هذا السياق، أعلن العنصر عن عدم رضاه عن الخلافات السياسية بين حلفائه في الحكومة، وما يُسبّبه ذلك من تعثر في تنفيذ عدد من المشاريع. وأشار إلى أن «مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة لا يمنعها من إثارة انتباه حلفائها إلى الطابع الاستعجالي لبعض القضايا وراهنيتها». وانتقد بطء وتيرة إصلاح التعليم، وتنفيذ مشاريع التنمية في القرى، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات، ودعا إلى «استراتيجية تنموية حقيقية، وليس الاكتفاء بحلول ترقيعية لإسكات بعض الاحتجاجات». وأوضح أنّ حزبه «غير راضٍ عن التأخير في تفعيل تنزيل الأمازيغية كلغة رسمية نصّ عليها الدستور».
يذكر أنّ الحزب يركّز في أدبياته على الأرياف وسكانها، حيث يعتمد عليهم كقواعد لأصواته الانتخابية، فضلاً عن استخدام الهوية والثقافة الأمازيغية في سياق حديثه عن الدفاع عن البعد العميق للسكان المغاربة.