ثقافة الاستقالة
نحن لا نملك الجرأة على الاستقالة من المناصب العالية و مواقع المسؤولية، ولا نملك هذه الثقافة أصلاً، بل لقد تشكل لدينا ثقافة معاكسة تماماً إلى درجة أن الاستقالة أصبحت بالمفهوم الشائع تعد من قبيل الاستسلام وفقدان حس المقاومة وصلابة المواجهة، وأصبح الاستمرار بتحمل المسؤولية نوعا من المكابرة رغم العجز والفشل والتدهور المريع وخراب مالطة..
نحن بحاجة إلى إعادة بناء ثقافة الإقدام على الاستقالة من مواقع المسؤولية اذا كان ذلك حقا، و بحاجة إلى إعاده بناء الجرأة لدينا بالاعتراف بالفشل والاقرار بالعجز ان كان موجودا وهو موجود بكثرة ، وأن يعد ذلك خلقاً كريماً وليس عيباً أو نقصاً يستحق التوبيخ أوالطعن بالكرامة الشخصية، ينبغي أن يصبح ذلك أمراً سهلاً و ميسوراً وممدوحاً، يستحق الثناء والتقدير والتكريم.
ليس معقولا أن تتعرض الأمة إلى هذا الكم الهائل من الهزائم والانكسارات وضياع الارض والمقدسات، ومع ذلك لا نجد من يتحمل مسؤولية فشله في موقعه، وليس معقولاً أن يتراكم لدينا أهرامات عملاقة من الفشل والعجز الشنيع، ولا نكاد نعثر على مسؤول واحد يعترف بفشله وتقصيره وعجزه عن تحقيق أهداف شعبه.
لقد تعرض العرب لهزيمة قاسية عام (1948) ؛حيث استطاعت مجموعة من العصابات هزيمة سبعة جيوش عربية ولم يسجل التاريخ استقالة زعيم واحد، وتكررذلك الموقف بطريقة اكثر بشاعة عام 1967، ومع ذلك لم يتم تسجيل موقف رجولي شجاع يصدر عن من يتحمل مسؤولية ما حصل، ونعيش واقعاً عربياً مزرياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى ؛ جيوش تحطم ودول تنهار وشعوب تتشرد ومؤسسات تدمّر، ومع ذلك نجد دائماً ثقافة التبرير وثقافة تعليق الفشل على الآخرين و على الأطراف الخارجية والمؤامرات الكونية، وأصبح لدينا عقلية ممنهجة وفق هذا التبرير السمج القبيح.
لا يتعلق هذا الأمر في الأحداث الكبرى بل يكاد يندرج على مجمل الأمور السياسية والإدارية والاقتصادية لدى الأغلبية الساحقة من الأقطار العربية فنلحظ فشلاً ذريعاً في بناء الاقتصاد الانتاجي، وفشلا في التعليم والبحث العلمي، و فشال في محاربة الفقر والبطالة، وفشلا في حل أزمة النقل، و فشلا مستفحلا في مواجهة الفساد، ومع ذلك لا نجد من يخرج علينا ويصارحنا بفشله وعجزه وعدم قدرته على تحقيق طموحات شعبه.
نحن بحاجه إلى تكليف واضح لأصحاب المسؤولية منذ البدء يقوم على شرط الاستقالة عند الفشل، والحكم عليهم من خلال مؤشرات الاداء والانجاز المعروفة عالمياً، فعند العجز عن التقدم على دليل التنمية البشرية فهذا يعني حكماً صريحاً على الفشل على صعيد مجمل المسارات، وعند العجز عن تحقيق أرقام نمو حقيقية مرسومة مسبقاً، فهذا يعني ضرورة الاعتراف بالفشل المحتم الذي يستحق الاستقالة، وعند العجز عن تخفيض الدين وفق جدول زمني مرسوم فهذا يعني بكل وضوح العجز عن تحقيق المطلوب.
ربما لو حاولنا امتلاك ثقافة الاستقالة وامتلاك الجرأة على الاعتراف بالتقصير والعجز لأصبح لدينا فرصة معقولة في البحث عن بدائل ناجحة بدلاً من إعادة تدوير العاجزين والفاشلين في كل محطة حرجة.
الدستور - الثلاثاء 9/10/2018