الضغوط على أوبك والسعودية .. إلى أين ؟
استكمالا لما قلناه في المقال السابق والذي خصصناه عن مؤامرة ترامب على السعودية من خلال ابتزازها ومزاعم حمايتها إلخ ، فقد ألقى الخبير النفطي ومستشار البنك الدولي الدكتور ممدوح سلامة الضوء على جوانب من واقع القوة والضعف في علاقة أمريكا بالسعودية أو بأوبك بشكل عام ومن ثم بالعالم والصين تحديدا كاشفا حقيقة هذه القوة وهذا الضعف من منظور علمي .
وقبل الدخول في المضمون بشكل مقتضب لضيق المساحة ، فإني أذكر بأني تعرفت على سلامة لأول مرة من خلال فيديو بثته المدينة نيوز عقب استضافتها له قبل اعوام ( الفيديو على اليوتيوب ) حين تحدث في اللقاء عن الإقتصاد الأردني ، وكيف تنبأ بالصعوبات التي يعانيها الأردن اليوم ، حيث صدقت تنبؤاته بالفعل ، خاصة إذا نظرنا إلى نسبة الدين الى الناتج الإجمالي والصعوبات التي يعانيها الاقتصاد هذه الأيام .
وفي ما يتعلق بموضوعنا ، والتهديدات الترامبية لدول أوبك والسعودية ، تارة بضرورة تخفيض أسعار النفط وطورا بأن عليها أن تدفع نظير حمايتها ، وطورا آخر بقانون " نوبك " حيث أكد سلامة بأن دول اوبك هي التي تحمي الولايات المتحدة وليس العكس ، إذ بالإمكان نقل استثماراتها من هناك ، وهو ما حذر منه ترامب مؤخرا ، أو من خلال وقف ضخ النفط للولايات المتحدة التي تستورد ما يصل إلى 5 ملايين برميل يوميا من دول اوبك نفسها التي تشكل السعودية عمادها الرئيس ، برغم إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي ما يصل ألى 10 مليون برميل يوميا وفق المستشار الدولي.
وإذا ما نظرنا إلى تهديدات ترامب بمجملها لدول أوبك والسعودية ، فإننا لا نجد خطورة لها إلا بقانون " نوبك No Oil Producing and Exporting Cartels الذي يحمي أوبك والتجمعات النفطية والغازية والشركات الأخرى من تهمة الإحتكار ، لكون هذه الجهات هي التي تقوم بعملية التسعير ، وهو قانون يرفع الحصانة عن هذه التجمعات والشركات مما يسمح بمحاكمتها ويصب - وفق هذه الرؤية - في صالح تخفيض الأسعار على المستهلكين الأمريكيين ، مع أننا إذا قرأنا موقف الولايات المتحدة - تاريخيا - من هذا القانون فإننا سنجد بأن الساسة الرأسماليين الكبار فيها ومنهم بوش الإبن وكل أباطرة النفط ، هم الذين منعوا تمرير هذا القانون في الكونجرس ، فهذا المشروع الذي اقترحه السيناتور هيرب كول في حزيران من عام 2000 ولم ينجح وتم تفعليه في العام 2007 دون جدوى ، ليس سوى ورقة ابتزاز يلعب بها ترامب الآن حيث يخشى بأن تؤثر أسعار النفط المرتفعة على وضعه وحزبه في الإنتخابات النصفية القادمة ، وإذاما قام بتأييد القانون وأصبح قانونا نافذا فإن ردة فعل منتجي النفط قد تأتي بنتائج عكسية على الرئيس نفسه وعلى الإقتصاد الأمريكي ، ويذكرنا هذا بتهديد أطلقته السعودية في وقت سابق ، حيث توعدت بسجب كل استثماراتها من الولايات المتحدة وأصولها في حال تم تشريع قانون جاستا JASTA الشهير Justice Against Sponsors of Terrorism Act الذي لا يقل ابتزازا عن قانون نوبك .
ومما كشفه الخبير أيضا ، أن الرئيس الأمريكي يرغب وبقوة رفع الأسعار وليس تخفيضها كما يدعي ، وإنه سيعمد إلى ذلك بعد الإنتخابات لسبب وجيه ، وهو أن تكلفة استخراج برميل نفط من الصخر الزيتي لن تكون مجدية مع الشركات الأمريكية إذا كان سعر البرميل اقل من 70 دولارا أو ربما 80 دولارا بسبب ارتفاع التكلفة ، وفي المقابل ، فإن ارتفاع أسعار النفط بما يفوق 100 دولار يرفد خزينة هذه الشركات وبالتالي حزينة الولايات المتحدة ، كما يرفد خزينة دول أوبك أيضا .
إن حقيقة التهديدات تنبع من مخاوف ترامب من تحويل البترودولار إلى بترو يوان ،فإذا كان حجم استهلاك الصين من النفط يصل إلى 10 ملايين برميل يوميا فلنا أن نتصور كيف يمكن للبترو يوان أن يضغط على الدولار الواقع تحت الضغط أصلا ، والذي يحاول ترامب تحصينه بمزيد من التهديد والإبقاء على البترودولار ومبيعات الأسلحة التي لا يستطيع إيقاف صفقاتها لا عن السعودية ولا عن غيرها باعترافه هو نفسه في كل أحاديثه الصحفية ، نظرا لما لشركات السلاح الأمريكية من سطوة مرعبة على البيت الأبيض أيا كان ساكنوه ديمقراطيين أم جمهوريين .
لكل ما سبق ولغيره ، فإنه لا يجوز أن نصدق كل هذا الهذر وهذا التهديد وهذا التطاول الذي نسمعه بحق السعودية ، فالمملكة ككل بلاد العالم تتعرض لضغوط من نوع ما ، ولكن السعودية القوية والواثقة من نفسها قادرة على اجتراح المعجزات أيا كانت ، وغدا يأتيك بالأنباء من لم تزود ِ .
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز