كلفة الإصلاح
الاصلاح المطلوب لا يأتي بالأماني و بالرغبة فقط، و انما يحتاج الاصلاح الى كلفة عالية و ضريبة ينبغي ان يتم دفعها، و ضريبة الاصلاح ليست مقتصرة على فئة دون فئة او شريحة دون اخرى، و انما يتم دفعها من جميع الاطراف و جميع الافراد بلا استثناء، مع إدراك التفاوت النسبي في توزيع الأعباء وتحمل المسؤوليات، وما ينبغي ان نعلمه جميعا أن حجم الكلفة يحول في كثير من الأحيان دون الشروع في مسار الإصلاح، وهذا ينطبق على كل الحكومات بلا استنثناء، إذ إن كل حكومة تجد أن الإصلاح سوف يسبب صراعا وصداما مع بعض شرائح المجتمع، مما يجعلها تؤثر السلامة وتمارس الحلول التسكينية المؤقتة، مما يؤدي إلى التأجيل المتكرر الذي أدى إلى زيادة تعقيد المشكلة وتعميقها.
نحن أمام مشهد داخلي في غاية التعقيد، وأمام كادر وظيفي كبير جدا وترهل شديد، وقدرته على العمل والإنتاج ضعيفه، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أصحاب القرار المساس بهذا القطاع لأنه سوف يؤدي إلى تسريح عدد كبير من وظائفهم، ويدفع بهم إلى سوق البطالة المرعبة، بالإضافة إلى العقم المتوارث في معظم المؤسسات، مما ولد فكرة لدى المسؤولين بأن يذهبوا إلى الاصلاح عبر طرق تحويلية يتم من خلالها تجنب الصدام مع هذا الواقع، مما أدى إلى ولادة فكرة الهيئات المستقلة التي كانت نصيحة من أجل القيام بالإصلاح بعيدا عن القطاع العام.
ولكن فكرة الهيئات المستقلة لا تمثل حلا سليما من كل الوجوه، لأنها أدت إلى تعدد الرؤوس في المجال الواحد وأدت إلى تشتت الجهود وبعثرة العقل الإداري، بالإضافة إلى زيادة الشعور العام بالتسيب، والأمر الأكثر بشاعة أن الهيئات المستقلة أصبحت عبئا جديدا على موازنة الدولة ولم تسطتع القيام بمهمة الإصلاح المطلوبة، وأصبحت الهيئات المستقلة ملاذا لأبناء الكبراء والمتنفذين وأصحاب المواقع العليا لتفاوت الرواتب والمكافآت، ولم يكونوا أحسن حالا من موظفي القطاع العام.
نحن الآن بحاجة إلى ثورة بيضاء تعيد نظم مؤسسات الدولة وإعادة الروح إليها من خلال استراتيجية واضحة ورؤية محددة تعيد رسم الخطوط العريضة في كل وزارة في ضوء الفكرة السابقة التي تكلمنا عنها سابقا في إعادة هيكلة الوزارات وإعادة بنائها في ضوء التوقعات المستقبلية، وفي ضوء الثورة الرقمية القادمة لا محالة، التي سوف تطيح بكل معطيات المرحلة السابقة بكل أبعادها.
إعادة الهيكلة أمر ضروري وإجباري لا يمكن القفز عنه، ويصعب تأجيله أكثر من مرة كما كان يحدث في كل مرة، ولكن ذلك يحتاج إلى استعداد نفسي من الشعب أولا قبل رجال الحكومة و أصحاب السلطة، ويحتاج إلى كلفة عالية لا بد من دفعها وإن طال الزمن.
الدستور - الثلاثاء 23-10-2018