كيف ستتصرف إسرائيل حيال القرار الأردني التاريخي والشجاع؟

تم نشره الثلاثاء 23rd تشرين الأوّل / أكتوبر 2018 12:47 صباحاً
كيف ستتصرف إسرائيل حيال القرار الأردني التاريخي والشجاع؟
عريب الرنتاوي

أحدث قرار الدولة الأردنية، التاريخي والشجاع، بعدم تجديد ملحق المعاهدة حول الغمر والباقورة صدمة في إسرائيل ... رئيس حكومتها تعهد إجراء مشاورات مع الأردن لتمديد الملحق لربع قرن آخر، وزير الزراعة في حكومته، رأى أن القرار «استفزازياً»، فيما وسائل الإعلام الإسرائيلية من صحف ومواقع، تذهب في تحليلاتها في شتى الاتجاهات.
سيل الاتصالات الهاتفية من إعلاميين ودبلوماسيين مع كاتب هذه السطور، لم ينقطع منذ تلك «التغريدة» التي قطعت الشك باليقين، تكشفت جميعها عن معنى «المفاجأة» وأحياناً «الصدمة» ... فالمتصلون على ما يبدو، لا يتابعون حركة الرأي العام الأردني، بل ولا يقيمون وزناً لمفهوم «الرأي العام» في بلداننا العربية ... حتى أن بعضهم، حاول قاصداً أو غير متعمد، تصوير القرار الملكي بوصفه خضوعاً لضغط الشارع الأردني، وهم يتحدرون من دول ومجتمعات، للرأي العام فيها، دور وازن ومقرر في صنع المواقف والسياسات الداخلية والخارجية، لكأن ما يليق بهم لا يليق بنا... جوابي على هذه الملاحظة بالذات جاء كالتالي: لدينا رأي عام كما لديكم، والاستجابة لنبضه من قبل قيادته، يسجل لها لا عليها، فلماذا الإحساس بالصدمة يأتي مشوباً بالاستغراب ويحمل في طياته معاني «اتهامية»؟
على أية حال؛
الأنظار تتجه الآن، لما سيكون عليه رد الفعل الإسرائيلي ... نتنياهو، الخبير بالمشاورات المفرغة من أي مضمون، يعرض علينا جولة منها، لا نعرف متى ستنتهي بهدف تجديد «عقد الإيجار» لخمسة وعشرين عاماً إضافية ... أما التعبير الأصدق عن حقيقة الموقف الإسرائيلي فقد ورد على لسان وزير الزراعة، الذي وصف القرار بالاستفزازي، ولا أدري لماذا «استفزازياً» طالما أن الأردن مارس حقه في رفض تجديد العقد/الملحق، واستخدم لهذا الغرض، الآليات المنصوص عليها بموجب العقد، والعقد شريعة المتعاقدين، ومن حق الأردن أن يجدد ويمدد، ومن حقه أن يرفض التجديد والتمديد، ودائماً من ضمن معاهدة السلام، وليس خروجاً عنها.
الأردن، بخلاف إسرائيل، دولة تحترم الشرعية والقانون الدولي والاتفاقات المبرمة، وقد فعل ما فعل من ضمن هذا السياق وعلى هذه الخلفية، وفي إطار هذه الثوابت الحاكمة لسياسته الخارجية وعلاقاته الدولية ... ومن الحكمة والمنطق، إن كان في إسرائيل من لا يزال يفكر بمنطق وحكمة، أن تكون الاستجابة الإسرائيلية للقرار الأردني، إيجابية وفورية، ومن دون مماطلة أو تسويف.
لكننا نعرف أن إسرائيل لا تفكر على هذا النحو، بل وأجزم بأن من وقّع المعاهدة عن الجانب الإسرائيلي، كان يأمل تحويل «المؤقت» إلى «دائم»، و»عقد الإيجار» إلى «عقد ملكية»، أو «وضع يد»، تماماً مثلما درجت عليه السياسة الإسرائيلية في فلسطين، كل فلسطين، فالمؤقت دائم، والترتيبات الانتقالية، تتحول إلى ترتيبات نهائية.
إزاء وضع كهذا، فإننا نتوقع أن تقابل إسرائيل القرار الأردني بعدة سيناريوهات منها: (1) الدخول في مشاورات «لا تنتهي» لتغيير القرار الأردني من دون تغيير الوضع القائم في الغمر والباقورة، وقد تستعين بالولايات المتحدة التي قد تعرض وسطاتها من أجل تفادي اندلاع أزمة بين حليفين مهمين لواشنطن ... (2) وفي حال لم يستجب الأردن لهذه الوساطة أو لهذا الاقتراح، ستلجأ إسرائيل إلى سلاح الضغط والابتزاز، ستلوح بما لديها من أوراق في ملف المياه والطاقة، ولطالما حذرنا من مغبة «الاعتمادية» على إسرائيل في ملفات استراتيجية من هذا النوع ، وقد تلجأ إلى تحشيد اللوبي الصهيوني المساند لها في الولايات المتحدة، لنقل الموقف الأمريكي من «الوساطة» إلى «الضغط» على الأردن، وللأردن علاقات لا داعي للتوسع في الحديث عنها، مع الولايات المتحدة، ... (3) أما السيناريو الثالث، فهي أن تستمر إسرائيل في وضع اليد على هذه الأراضي الأردنية، وكأن شيئاً لم يصدر عن عمان، وتمارس في الوقت ذاته، أوسع عمليات «الخداع» تحت ستار كثيف من الأحاديث عن النوايا والاستعدادات والرغبة في الوصول إلى حلول تفاوضية.
الأردن في المقابل، ليس مجرداً من الأوراق، فلديه «منطق الحق» والقانون الدولي والقضاء الدولي، ولديه أيضاَ مكانته في حسابات المجتمع الدولي، ومن ضمنه الولايات المتحدة ... ولديه قدرة على تعطيل المشاريع الإسرائيلية في غير محفل وصعيد ... وما تستطيع الدعاية الإسرائيلية السوداء ترويجه ضد الفلسطينيين، لن يكون بمقدورها ترويجه ضد الأردن بحال من الأحوال، فالدولة الأردنية لديها رصيد من الاحترام الدولي، يكفي لجعل مهمة نتنياهو وعصابته، صعبة للغاية.
الأصل ألا يثير القرار الأردني إشكالاً من أي نوع، لكن علينا أن نتوقع أن إسرائيل لن تدع هذا القرار يمر بيسر وسهولة، وعلينا أن نحضر أنفسنا لمعارك إعلامية ودبلوماسية وقانونية وسياسية قاسية في قادمات الأيام، والأهم علينا أن نتسلح بالوعي والتضامن والوحدة في مواجهة أحد أهم استحقاقات العلاقة الأردنية الإسرائيلية خلال نصف القرن الفائت، وفي ظني أننا أهلٌ لهذه المواجهة، وأننا قادرون على كسب الرهان.

الدستور - الثلاثاء 23-10-2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات