نحو ميثاق عالمي يجرم الإساءة إلى الأديان
نحن بحاجه ماسة إلى ارساء قواعد احترام العقائد والأديان جميعاً، وعدم الاساءة لأتباعها بالاساءة والتشهير لا تلميحاً ولا تصريحاً، ومن الضروري أن يصبح ذلك عرفاً إنسانياً عالمياً مشهوراً تنص عليه سائر الدول والمواثيق الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولذلك لا أرى الاقدام على سب الأبقار وشتمها إذا كان ذلك يسيء لبعض الشعوب التي تقدسها وتعبدها، ولا أرى صوابية التعرض «لبوذا» بطريقة تؤدي إلى الاساءة إلى اتباعه وكل من يدين بالبوذية، فضلاً عن الاساءة لله و الكتب المقدسة والأنبياء والرسل جميعاً.
ولا أعتقد أنه من الحرية أن يتم رسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعمامة على شكل قنبلة، كناية عن الارهاب ولا أرى في مقابل ذلك التعرض للمسيح عليه السلام، ولا للكتاب المقدس بالاهانة، يقول الله تعالى في القران الكريم (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).
بعض الدول تحرم الاساءة إلى اليهود تحت باب اللا سامية، و بعض التشريعات تجرم الاساءة إلى المحرقة اليهودية (الهولوكوست) ولا تسمح بمجرد تشكيك أو اخضاع الأمر لإعادة الدراسة التاريخية، ولا حتى مجرد المناقشة المنطقية، و عندما يجري مثل هذا الأمر في الدول الغربية بلاد الحرية والتقدم تقوم الدنيا ولا تقعد.
كاد أن يندلع حريق مجتمعي لدينا عندما تم توجيه الاتهام إلى استاذ جامعي في محاضرة أكاديمية بأنّ مناقشته لم تكن توحي بالاحترام من خلال طريقة امساكه بالكتاب المقدس، ولذلك لابد من التعامل مع المسائل المتعلقة بالعقائد والأديان بمنتهى الحذر وغاية الاحترام، منعاً لإحداث شروخات في مجتمعاتنا التي تتعرض للتدمير والتهشيم.
لا أدري ما هو سر قابلية مجتمعاتنا للانقسام والتفتيت وسرعة الاستجابة للفتنة، هل ذلك يعود إلى الظروف السياسية السيئة التي تمر بها والتي تدفع نحو النزق والتوتر، أم أننا نعيش حقبة تاريخية متخلفة حضاريا يسودها التعصب والانتماءات الضيقة، أم أننا لم نحسن إعداد الأجيال على قيم التسامح وتقبل الاختلاف وحسن الحوار، أم أننا نخضع لمؤامرات خارجية و اختراقات فكرية وثقافية، وغزو متعدد الاسلحة والادوات ولدينا الاستجابة وعدم التحصين ضد الاختراقات الخارجية، أم أن هذا بعض الاتجاهات السياسية التي تعتاش على الانقسام ومنهج الاستقطاب الحاد، وربما تكون بعض الاجابات جميع ما ذكر.
أعتقد أن وظيفة المثقفين وأصحاب الفكر والاكاديميين وكل أصحاب النظر البعيد والرؤية الوطنية الصادقة أن يعملوا على رأب الصدع و حماية المجتمع من التصدع والحيلولة دون الانزلاق إلى مربعات الفتنة و أن يعملوا جاهدين على إطفاء الحرائق التي تشتعل في أوساط مجتمعاتنا الهشة، وتلتهم ما تبقى لدينا من عناصر الأمل والوحدة وامتلاك القدرة على إعادة البناء والنهوض.
الدسنور - الثلاثاء 13-11-2018