دولة الرئيس.. كن عند كلمتك!
تداول ناشطون وناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي تغريدة للدكتور عمر الرزاز، بتاريخ 2013.5.6 فحواها: "صوت الشباب حول حرية الصحافة الألكترونيّة يجب أن يصل إلى السلطة التشريعية والتنفيذيّة. لنعمل معاً نحو ذلك". وهي تغريدةٌ تبيّن موقفَ الرزاز من الحريّات قبل استلامه المسؤولية الحكوميّة، ودورَه كمواطن في السعي نحو ذلك "لنعمل معاً نحو ذلك".
وإذ كنا نعلم طينةَ الرزاز الفكريّة قبل وُلوجِه معتَرَكَ الحكم، وأنها طينةٌ نبيلةٌ وتقدّميّةٌ وحُرَّة، فإنَّ التوقعات التي أكّدها التكليف الساميّ وانتظرَه منه أيضاً، كانت السَّيرَ عكسَ ما ألِفَه الحكمُ في السنوات العشر العجافِ الأخيرة. أي ضدَّ إثقال جيب المواطن/ة وضدَّ قمع الحريّات. ولكنَّ هذين البندين تحديداً هما اللذان وَسَما السياسةَ العامة لحكومة الرئيس، مما أحدثَ خيبةَ أملٍ كبيرةً ما تزالُ تتراسلُ بين الشعبِ وقائده. فجلالةُ الملك الذي كلّف الرزازَ إثرَ غضبٍ شعبيٍّ عارمٍ على سلفه (الملقي) الذي كان قد أصمَّ أذنيه عن صراخ الشعبِ الذي بات يعاني من الجوع حرفيّاً، كان جلالتهُ قد أحضرَ إلى المشهد واحداً منا وفينا، لا يحتاجُ إلى صراخٍ ليعي أن الشعبَ بلغَ الحافةَ من كلِّ شيءٍ وأولها: الصبر. أحضرَه على أساس أنَّه مختلفٌ، وأنَّه سيُعالجُ ولو جزئياً، ما ترهّلَ وتعفّن.
ولم يكن ليستقيمَ أبداَ مع هذه التوقعات، أن يأتي الخذلانُ بهذا الحجم. فالرجلُ كانت له قراءاتٌ غيرُ مداهنةٍ للواقعِ، وكان يرمي حلولاً علميّةً لما نحنُ فيه. وكان منحازاً تماماً للشعبِ، وصاحبَ بصرٍ وبصيرةٍ في علاجِ أوضاعه.. فما الذي حدث؟
وبعيداً عن أنَّ الكرسيَّ امتحانٌ للبشر، فلا أظنُّ أن الرزاز له أماني غير النجاح في مهمّته، ولكنَّه أخطأ التقدير والسياسة. فهو مرتبكٌ بين بُعبعيْن؛ بعبع البنك الدولي وحجم الديون، وبعبع الإسلام السياسي.
أما الديون والبنك الدولي فقد كان الرزاز قد قدّمَ ورقةً علميّةً يبيّنُ فيها سبلَ الخلاصِ من هذا الارتهان، وأتمنى أن توضَعَ موضع الدرسِ والتطبيق، وخلاصتُها سياساتٌ متطوّرة للاستثمار. وأما الإسلام السياسيّ فهو أحدُ القوى السياسيّة المتنازعة على السلطة المعنويّة في البلد، وليس كلّها ولا أقواها؛ فهناك القوى العلمانية والتنويريّة وقوى اليسار، وهي مجتمعةً تبزّ أولئك بما لا يُقاس. وهذا واقعٌ جديدٌ على رئيس الحكومة أن يعيَ وجوده ويتعاملَ معه.
فنشيدُ الحريات الذي يلهجُ به الشعبُ والشرائحُ المختلفة لا يمكن خنقُهُ أو تزييف صورة المجتمع بأنه "بات منحلّاً أخلاقياً". كما أن تحويل البيئة المجتمعيّة الأردنيّة إلى بيئة مغلقة، لا تساعد على اجتذاب استثمارٍ أو تحفيزٍ على إبداع، وهو أمر يعلمه الرئيس معرفةً عميقةً؛ فالدول التي تشدّد قبضتها في منطقتنا على الحريات السياسية والفردية هي دولٌ تعاني من عُقمٍ حضاريٍّ وثقافيّ وعلميّ، ولا نريدُ أن تجرونا إلى نموذجها.
والآن، وأمامَ هذا التوضيح الذي يقول به الشارعُ وأقسى، ليس أمام الرزاز إلا أن ينحاز إلى أصله ومنابته، وأن ينتصرَ إلى توقعات القائدِ المُكلِّف والشعب فيه، فيسحب، كإثباتِ حسنِ نوايا، هذا القانون المعيب.. #اسحب_قانون_الجرائم_ الإلكترونية.
وعلى ذلك نعقد الأمل!
الغد - الثلاثاء 27-11-2018