مطلوب قرارات اجتماعية صعبة وجريئة
في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة والسائدة منذ سنوات، فقد آن الأوان لاتخاذ قرارت اجتماعية صعبة وجريئة تصب في المصلحة العليا للمواطن، وتساعده في تخفيف العديد من الأعباء المادية التي يتحملها.
ففي الوقت الذي يعاني فيه ابناء الوطن من أوضاع مالية صعبة، تتمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة نسبة البطالة، وارتفاع في نسبة العنوسة، والغلاء الفاحش وغير المتوقع في معظم السلع وحتى في أسعار الشقق والايجارات، فإن الحل يكمن في إجراء تغييرات جذرية على العادات والتقاليد والاعراف وإحياء العمل بالوثائق الشعبية التي صدرت قبل نحو ثلاثين عاما في السلط ومعان والكرك وغيرها من المدن الأردنية.
لقد نظمت هذه الوثائق حياة المواطنين في الافراح والاتراح والمناسبات الاجتماعية ووضعت خطاً فاصلاً بين الكرم والاسراف وبين البخل والترشيد وأعادت تنظيم جدول الأولويات بكل التفاصيل.
كيف يمكن لشاب يعمل براتب شهري معقول ويتراوح كالعادة وفي أحسن الاحوال بين 300 - 500 دينار أن يتقدم لخطبة فتاة ومعه آلاف الدنانير التي يمكن أن يجمعها أو حتى يقدمها له والده لشراء المصاغ الذي يشترط بالعادة تقديمه ؟.
كيف يمكن لالاف العائلات، من مواجهة التقاليد التي ترغمها على اقامة مآدب غداء بمناسبة الزفاف حتى ان احدهم ما زال يسدد قرضا منذ بضع سنوات انفقه على مأدبة غداء احتفالا بزفاف ولده حتى يقال انه اقام وليمة كبيرة، في وقت كان بمقدوره بهذا المبلغ ان يدفع الدفعة المناسبة لشراء شقة صغيرة لولده بالتقسيط، والذي ما زال يدفع ايجارا شهريا يستهلك معظم راتبه.
في حالات الوفاة، ورغم صدمة الاهل بفقدان الحبيب، يضطرون لدفع مبالغ كبيرة، والانشغال باعداد الطعام، او شرائه من المطاعم، ويستدينون في احيان كثيرة لمجاراة التقاليد والعادات بدعوى تقديم (المناسف) للعائدين من الدفن وغالبا ما يزيد الطعام على الحاجة رغم ان الشرع والدين يطالب الناس بتقديم الطعام لذوي المتوفى، وان الرسول صلى الله عليه وسلم قال عند وفاة ابن عمه (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاء ما يشغلهم).
لقد جاءت الوثائق الشعبية، بعد سلسة اجتماعات لشيوخ ووجهاء العشائر وممثلين عن مختلف الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وانها في مجملها، تشكل العلاج الشافي، لمعالجة العديد من المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، التي يعاني منها المجتمع المحلي والذي يعيش معظم افراده ظروفا اقتصادية صعبة.
الاثرياء في مجتمعنا، مطالبون بان يكونوا القدوة لغيرهم وان يقتصدوا في نفقات الافراح والاتراح، وان يضعوا المبالغ التي كانت مخصصة لهذه المناسبات في الاماكن التي تعود عليهم بالخير والثواب عند الله عز وجل، وهي المساهمة في تزويج اقاربهم من الشباب، او دفع قسط جامعي عن طالب فقير، او غير ذلك.
مجلس النواب مطالب، وضمن اولى اولوياته عليه ان يتعاون مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني، والحكماء واصحاب الرأي السديد، وان يصلوا الى وثيقة موحدة، من شأنها محاربة المبالغات في المناسبات الاجتماعية، ووقف الهدر الذي يؤثر سلبا على مقومات ومكونات المجتمع، ويجعل المظهرية هي المسيطرة على سلوك الناس والذي يعيش معظمهم ظروفا اقتصادية صعبة، وان تكون هناك حملات توعية تقودها الدولة والمؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية، وان ذلك لا يتطلب الا قليلا من الارادة وتغليب مصلحة المجتمع، والتخلي عن ثقافة العيب ضمن هذا الاطار تحديدا، وان يتم تحكيم العقل، وارضاء الضمير، عند اي مناسبة اجتماعية لوقف ظاهرة القلق المجتمعي وما يصاحبها من ممارسات بدأنا نلمس بوضوح مخاطرها على المجتمع مثل انتشار ظاهرة العنوسة، والعنف المجتمعي والانتحار، والاحتيال وترويج المخدرات والاختلاس والامراض النفسية المختلفة.
الدستور - الثلاثاء 1-1-2019