إعادة هَيكلة الدَين
نعم استخدم كلمة إعادة هَيكلة الدَين وليس إعادة جدولته كما استخدمه بعض المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أثناء تعليقه من واشنطن على القرض الأخير من البنك الدوليّ بقيمة 1.2 مليار دولار.
ليس صحيحاً أن ما تقوم به الحكومة في موضوع الدَين، هو إعادة جدولة، فهذه العمليّة المصرفيّة لا تتم ألا عندما يتعثرُ الدائن ويعجز عن السَداد، حينها يقوم المُقرض بإعادة جدولة ديونه، أما في الحالة الاردنيّة فهي تسمى بإعادة الهَيكلة.
إعادة الهَيكلة للدَين الخارجيّ الأردنيّ تتم على مراحل حسب المَنطق الذي يفترض من الحكومة أن يكون لديها رؤية كاملة في هذا الشأن على المديين المُتوسط والبَعيد.
طُرق إعادة هَيكلة الدَين الخارجيّ على المدى القصير تتم بسداد القروض مُرتفعة التكاليف بقروض أخرى أقل فائدة لينعكس ذلك على خدمة الدين السنويّة.
السداد بالقروض، إما يكون بالاقتراض الداخليّ أو الخارجيّ، بالنسبة للداخليّ فهو أمر مُستبعد بالنسبة للحكومة، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة التي قد تصل إلى 8 بالمئة أو اكثر، ناهيكَ عن مُزاحمتها للقطاع الخاص على السيولة الماليّة المتوفرة بالجهاز المصرفيّ.
هُنا يكون المَجال الوحيد أمام الحكومة هو الاقتراض الخارجيّ، وفي الحقيقة الحصول على قرض خارجيّ بفائدة مُنخفضة لا يكون إلا من خلال القروض من الدول ذات السيادة أو من خلال المؤسسات الدوليّة والصناديق الماليّة المُرتبطة بالدول، وهذا ما يتطلع إليه الأردن في المرحلة الراهنة، والقرض الأخير من البنك الدوليّ هو مثال لهذا التوجه.
قروض الحكومة الخارجيّة مُنقسمة إلى ثلاثة أنواع: قروض الدول ، قروض الصناديق ومؤسسات التمويل الدوليّة، وأخيرا قروض سندات اليوروبنود، والمعلوم أن اول شكلين من القروض الخارجيّة وهي الدولية والمؤسسات: هي قروض ذات فائدة مُنخفضة أساسا تتراوح فائدتها ما بين 0.5 إلى 3 بالمائة وفتراتها تصل إلى30 عاما، في حين أن قروض سندات اليوروبنود هي قروض تجاريّة بحتة وتصل فائدتها في بعضها إلى 7.4 بالمئة وهي فوائد مُرتفعة جداً، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن توصه الحكومة بشرائها من السوق كما هو الحال في القروض الأخرى، لأنها قروض تجاريّة أساسا مملوكة لبنوك وأفراد يمتهنون مهنة الاقتراض بأسعار فائدة عاليّة جداً، ولا يمكن التفاوض معهم لتخفيض الفائدة، ولا يمكن سدادها المُبكر بأسعار أقل، فهذا النوع من القروض لا يتم سداده إلا بموعده وبفائدة المُقررة مُسبقاً.
في شهر حزيران المُقبل سيكون أمام الحكومة أول دفعة لسندات اليوروبنود لسدادها وبقيمة 750 مليون دولار، وهي تتزامن مع وصول القرض الأخير من البنك الدوليّ الذي سيوجه جزءاً كبيراً منه لسداد هذه السندات، وسيستخدم باقي المبلغ في سداد جزء من أقساط الديون الخارجيّة الدوريّة المُستحقة على الخزينة.
بالنسبة لقرض البنك الدوليّ الأخير والبالغ قيمته 1.2 مليار دولار ستتراوح فائدته ما بين 3-4 بالمئة حسب فترة السداد والتي ستكون إما 15-35 عاما، وعلى المُرجح أن تقوم الحكومة باللجوء للمدة الأطول وهي 35 عاما وبفائدة 4 بالمئة.
هذه العمليّة قد تُساعد الحكومة في تخفيض مُعدلات خدمة الدَين، وبالنسبة لحجم الدَين فان الأمر مُناط بتحقيق نمو اقتصاديّ يُنميّ الناتج المحليّ الإجماليّ، وبالتالي تقل نسبة الدَين إلى الناتج المحليّ الإجماليّ كما حصل مع الدَين الخارجيّ في نهاية العام الماضي الذي انخفض نسبته إلى 94 بالمئة.
أما كرقم مُطلق للدَين الخارجيّ وخدمته السنويّة، فان مَنطق الأمور يقتضي أن تتراجع قسمة الفوائد السنويّة اذا ما نجحت عمليات إعادة الهيكلة، لأنه سيخرج من الخزينة بفائدة مُرتفعة ويحل محلها أخرى مُنخفضة.
لكن المؤشرات الرسميّة الأوليّة للدَين العام وفوائده السنويّة لا تُبشر بانخفاضه كأرقام مُطلقة أبدا على الإطلاق.
ففوائد الدَين التي تبلغ في موازنة 2019 ما مقداره 1.030 مليار دينار سترتفع في عامي 2020-2021 ما مقداره 1.110-1.276 مليار دينار.
أما الدين العام كأرقام مُطلقة الذي سجل في ميزانية 2019 ما مقداره 29.62 مليار دينار أو ما نسبته 94 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ مقارنة مع 28.4 مليار دينار أو ما نسبته 94.5 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، في حين ستكون مؤشراته في العامين المقبلين (30.261 مليار دينار - 30.61 مليار دينار) أو ما نسبته (91.5 بالمئة -88 بالمئة) من الناتج المحليّ الإجماليّ.
واضح أن الاستراتيجية بمعالجة الدَين تفترض نموا اقتصاديّاً كبيراً يُساهم بتخفيض الدَين كنسبة من الناتج المحليّ الإجماليّ، لكن كقيمة مُطلقة الأرقام باتجاه صعودي واضح مما يستدعي الوقوف عن هذا الأمر جليّاً حتى لا نكرر تجربة صفقة نادي باريس المشؤومة.
الدستور - الاحد 27-1-2019