الربيع العربي المفترى عليه
يحلو لكل القوى المتضررة من الربيع العربي وكل القوى المنافقة التي تدور مع القوي حيث دار وكل القوى الخائرة التي لا تملك الجرأة لاتخاذ موقف مشرف، أن يكيلوا التهم للربيع العربي بأنه السبب في ما يعيشه العالم العربي من فوضى ودمار وقتل وتشريد.
لا أحد ينكر الوضع المأساوي الذي وصلت إليه الحالة في عالمنا العربي، ولا أحد ينكر أن الذي جرى جرى بعد الربيع العربي. لكن لا يمكن لأحد أن يجزم أن ما جرى من فوضى ودمار وقتل وتشريد كان لا يمكن أن يحدث لو لم تنتفض الشعوب العربية مطالبة بالحرية والكرامة.
في الواقع فإن بذور الفوضى تنبع من الاستبداد الذي يغطي مساحة العالم العربي، وتنبع من احتكار السلطة والتمسك بها حتى آخر رمق من الحياة، وتنبع أكثر من انفصام الأنظمة الحاكمة عن تطلعات وآمال وأحلام شعوبها.
الفوضى التي تبعت الربيع العربي كان مخططا لها بشكل خبيث لتصل الشعوب العربية لقناعة مفادها أن أي محاولة للمشاركة في السلطة تعني الفوضى وانعدام الأمن، وأن الأمن والأمان مرتبط بأمن وأمان النظام الحاكم، وأي إخلال بمنظومة أمن وأمان النظام سيتبعه حتما إخلال بمنظومة أمن وأمان المجتمع لكن بطريقة أكثر شراسة (إما الأسد أو نحرق البلد).
دعونا نأخذ الفوضى الجارية حاليا في ليبيا مثالا؛ فقد سقط النظام هناك ولم يعد له أي تأثير على المجتمع الذي ثار عليه مطالبا بالحرية والكرامة، فما الذي حصل عليه؟ حصل على الفوضى والاضطراب والاقتتال الداخلي، فهل سبب ذلك الربيع العربي؟!!
قوى الثورة المضادة تصر على أن ما يجري في ليبيا الآن هو من الآثار المدمرة للربيع العربي، لكن دعونا نسأل السؤال التالي: هل لو استثمر العقيد ثروة ليبيا الهائلة في بناء مجتمع متمدن ومتعلم كان سيجري الذي جرى؟ هل لو انسجم العقيد مع تطلعات الشعب الليبي وأحلامه بدل أن ينسجم الشعب الليبي بآمال وأحلام العقيد، هل كان سيجري الذي جرى؟ هل لو فسح العقيد المجال للشعب الليبي للتعبير عن آرائه السياسية والاجتماعية وفسح له المجال للمساهمة الحقيقية الفاعلة في بناء المجتمع الليبي كان سيجري الذي جرى؟
قس هذا على كل البلدان التي مر بها الربيع العربي، ستجد أن ما تعانيه شعوبها الآن بذرت بذوره أنظمتها الحاكمة قبل القوى المتربصة والتي لا نشك بوجودها ولا بفعاليتها.
كان يمكن لتلك الأنظمة أن تستوعب موجة الربيع العربي، وأن تتفاعل مع تطلعات الشباب لديها، لكنها آثرت أن لا تتنازل قيد أنملة عن احتكارها للسلطة فجرى الذي جرى.
السبيل - الاربعاء 30-1-2019