استراتيجية الطاقة كمدخل لإعادة الهيكلة
وزيرة الطاقة والثروة المعدنية المهندسة هالة زواتي قالت إن "قرار مجلس الوزراء بوقف استقبال طلبات الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجددة هو قرار مؤقت لحين اصدار الاستراتيجية الوطنية لقطاع الطاقة المنتظرة في النصف الأول من العام الحالي والخطة الشاملة لشركة الكهرباء الوطنية"، مؤكدة أن قطاع الطاقة المتجددة سيبقى خيارا وطنيا مهماً وأولوية ضمن الاستراتيجية الوطنية.
التوضيح المقدم من الوزيرة جاء في معرض كلمة ألقتها خلال افتتاح أعمال ورشة العمل الإقليمية المتخصصة بالطاقة الاربعاء 30 كانون الثاني من العام الحالي؛ توضيح يقود بشكل تلقائي الى مناقشة الاستراتيجية الوطنية المزمع طرحها للمرحلة المقبلة والبيئة التي تتخلق فيها؛ نقاش يطرح اسئلة مشروعة يقف على رأسها تساؤل عن سبب الاستعجال في عقد اتفاقات لاستيراد الغاز قبل طرح الاستراتيجية ذاتها حالها حال الطاقة المتجددة، وهو نقاش مشروع يسير بالتوازي مع مراجعات ومفاوضات صندوق النقد المتعلقة بالهيكلة المالية والادارية للاقتصاد الاردني.
لماذا لم نشهد وقفا لكافة اتفاقات الطاقة المعقودة مع الكيان الاسرائيلي ومصر قبل اقرار هذه الاستراتيجية؛ فالمملكة باتت تملك كميات كبيرا من الغاز المستورد يفيض عن حاجتها حتى لتوليد الطاقة الكهربائية؛ فهي مدخل يؤثر وبشكل مسبق في صياغة الاستراتيجية الوطنية وتحديد الخيارات والاوزان الفعلية للقطاع المؤثر في توليد الطاقة الكهربائية؟!
مدخلات تهدد بتعطيل مشاريع تطوير الطاقة المتجددة، والتي يعول عليها في تخفيض الكلف الانتاجية والعجوزات المالية، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين بشكل يعود على شكل عوائد ضريبية للخزينة العامة توازي او تفوق العوائد المتحققة من الضرائب المباشرة على الطاقة والكهرباء.
فخيار الطاقة المتجددة يسهم الى حد كبير في عكس العملية الاقتصادية القائمة على الريعية والاعتماد على واردات النفط والغاز والكهرباء كمورد مهم لخزينة الدولة لتتحول الصادرات والمنتجات والقطاعات الانتاجية المستحدثة كمدخل مهم لعوائد الدولة.
تغير بنيوي وهيكلي ينعكس على النمط الريعي الذي اثقل البلاد بزيادة الاعتماد على الواردات الضريبية للطاقة التي تحول تلقائيا الى مشاريع غير مجدية لتشغيل الايدي العاملة المتكدسة على حساب الخدمات، وهي حلقة مفرغة لابد من تجاوزها.
ليس من المعقول ان تعطل طلبات الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بحجة وضع استراتيجية وطنية جديدة، في حين وقعت اتفاقات استراتيجية للغاز والنفط دون مراعاة للاستراتيجية الوطنية المزمع صياغتها فالمدخلات المتعلقة بهذه الاتفاقات ستكون حاكمة وضابطة ومؤثرة بشكل سلبي في صياغتها؛ فهي العنصر الاهم الان في عملية التكيف والبناء لهذه الاستراتيجية بل وللاقتصاد الوطني.
اذ لا يقتصر تأثير الطاقة المتجددة على مالية الدولة والانتاج والتنافسية والقدرة على جذب الاستثمارات بل وعلى العمالة الاردنية؛ اذ ستسهم في توطين العمالة الماهرة عالية الاجر بتخفيض الكلف الرأسمالية للطاقة بدل دفعها للهجرة؛ فالعمالة منخفضة الاجر على اهميتها الا انها لا تستطيع ملء الفجوة الناجمة عن هجرة العقول والعمالة الماهرة فهي مدخل مهم في عملية الانتاج؛ فالعمالة منخفضة الاجور تواجه بالعديد من الصعوبات ابرزها العمالة الوافدة وارتفاع تكاليف المعيشة محليا ما يعزز الفقر ويشدد قبضته على المجتمع، ورغم اهمية الاتفاقات وعلى رأسها اتفاقية المنشأ الاوروبية الا انها لا تحمل بعدا استراتيجيا بعيد الامد يسهم في هيكلة الاقتصاد الوطني؛ اذ تقع ضمن الخطط الطارئة لا المستدامة؛ فالجذب الحقيقي للاستثمارات لا يعتمد على الاتفاقات بل على تعزيز القدرة التنافسية وهي العنصر المفقود والاكثر استدامة والاهم من منظور استراتيجي.
مناقشة استراتيجية الطاقة مسألة مهمة وحساسة ومشروع وطني استراتيجي يؤثر في بنية الاقتصاد وهيكلته، بل وعلى شكل العلاقة التي تربط الاردن بالأسواق المحلية والاقليمية والدولية لتتحول الى علاقة قائمة على التنافسية العالية للمنتج والسوق الاردني الذي تمتع بموقع جغرافي مميز؛ فالخطة الاستراتيجية الاصل تتضمن تحويل الطاقة الى مدخل انتاجي وليس منتجا يتم تصديره بشكل يكرس النمط الريعي، فالغاية والهدف خفض الكلف الانتاجية وهذا ينقلنا لمناقشة اهداف الاستراتيجية الوطنية ومزيد من التفكيك لعناصرها.
الاسئلة الجدلية والموضوعية غيض من فيض لما يمكن طرحة لمناقشته العوامل المؤثرة في صياغة الاستراتيجية الوطنية والبيئة التي تتم فيها عملية تشكيلها وصياغتها؛ فالاستراتيجية بحد ذاتها ستتحول الى مدخل مهم يحدد مصير ومستقبل بنية وهيكلية الاقتصاد في الاردن.
السبيل - الاربعاء 30-1-2019