النخب الأردنية.. استغاثة من العالم الآخر
السیاسیون لا یتقاعدون بل یزدادون خبرة ومعرفة وحكمة یوما بعد یوم. في أمیركا ما یزال جیمي كارتر وھنري كسینجر ومادلین اولبرایت یقدمون استشاراتھم للإدارات الأمیركیة في الظروف العادیة وعند كل أزمة. البعض منھم أسسوا معاھد ومراكز للبحث والاستشارات والبعض یتنقلون بین الولایات ودول العالم ینقلون حكمتھم وخبراتھم للدارسین والمھتمین وصغار الموظفین وحتى الوزراء وحكام الولایات. قبل ایام شارك وزیر خارجیتنا السابق ناصر جودة نظیره الامیركي السابق جون كیري محاضرة لطلبة وجمھور في جامعة ییل الامیركیة. خبر المحاضرة المشتركة لجودة وكیري اثار في ذھني العدید من الاسئلة حول ما یقوم بھ الرؤساء السابقون والوزراء في بلادنا. بحدود معرفتي لا یوجد بلد في العالم یحوي عددا من رؤساء الحكومات السابقین كما في الأردن. ففي الأردن 17 شخصیة ممن اشغلوا موقع رئیس الوزراء وھناك ما یزید على 280 وزیرا سابقا اضافة الى مئات من الجنرالات واساتذة الجامعات والنواب ورجال الاعمال والفنانین والكتاب وغیرھم ممن عملوا في میادین السیاسة والادارة والاقتصاد والثقافة والفن ویعرفون دقائق الامور حول القطاعات والمیادین التي عملوا بھا ویملكون الافكار والمقترحات التي یمكن ان تعالج الاختلالات وتحقق الاختراقات التي یتطلع لھا المواطن والدولة على حد سواء. الخبرات التي یملكھا الرؤساء والوزراء والخبراء من قادة ومسؤولین تكفي لرفد مسیرة البلاد بما تحتاج لھ من الخبرات . المؤسف اننا لا نلمس اثرا لھذه الخبرات على واقعنا المتعب. المؤسسات تعمل بمعزل عن ما ھو متوفر في محیطھا وتتصرف وكأن التاریخ بدأ من اللحظة التي تولت فیھا المسؤولیة. في الحالات القلیلة التي یجري فیھا التواصل مع اعضاء النخب وقدامى العاملین في المؤسسات والمواقع السیاسیة والاداریة یتعمد الجمیع تجاوز فكرة التعاون وتبادل الخبرة والمشورة لحساب المجاملات والمسایرة.
الیوم تمر البلاد بأزمات اقتصادیة واداریة وسیاسیة واعلامیة . في الاستجابة لھذه الاوضاع والازمات اجتھادات یقوم بھا المسؤول في حدود معرفتھ وخبراتھ . بعض الاجتھادات والخیارات التي اتخذت في الآونة الاخیرة غریبة ومستھجنة ولا تتماشى مع اسالیب المعالجة التي تقوم بھا الدول الأخرى أو ما سبق وإن قامت بھ الدولة الأردنیة في مناسبات وظروف مشابھة. العدید من المشاكل والمضاعفات التي نواجھھا الیوم كان بالامكان تجنبھا. في الأردن لا تتولد البطالة بسبب قلة توفر فرص العمل المناسبة للشباب فحسب بل من القرارات الجریئة للدولة والقاضیة بتعیین البعض في مواقع قیادیة دون التأكد من قدرتھم وجاھزیتھم للقیام بالمسؤولیات التي تتطلبھا مثل ھذه المواقع . من غیر المعقول أن ینفق الأردن ملایین الدنانیر على اعاشة ورفاھیة اجیال من الاشخاص الذین لم تحسن الدولة استخدام قدراتھم وامكاناتھم. في مثل ھذه القرارات اخطاء مضاعفة لیس اقلھا ھدر موارد الدولة وھدر طاقات الرجال والنساء ممن یجري اختیارھم لمواقع متقدمة لفترات قصیرة لا یلبثون أن یتركوھا دون الافادة من خبراتھم أو مساعدتھم على ایجاد خطط لاستثمار طاقاتھم ووضعھا في خدمة المجتمع ومسیرتھ التنمویة. التخبط الذي تعانیھ المجالس المنتخبة ووجود عشرات الاشخاص ممن تنقصھم المعرفة والمھارة والخبرة في صفوف المجالس التشریعیة والتنفیذیة والاستشاریة مؤشر على وجود مشكلات عمیقة في اسالیب التنظیم والتخطیط والاستخدام وغیاب الرؤیا التي تساعدنا على تجاوز الاوضاع التي قد تأتي على ما تبقى من تقالیدنا الاداریة والاجتماعیة والاخلاقیة.
الغد - الاربعاء 27-2-2019