أتحمل كامل المسؤولية…
لا أعرف ما الذي یقصده المسؤول الأردني عندما یقول ”أتحمل المسؤولیة الكاملة“ ففي المجتمعات الأخرى یعرف المسؤول والمواطن معنى تحمل المسؤولیة ویتوقع الجمیع ما یترتب على اعترافات المسؤول بمسؤولیتھ عما حدث فالمسؤولیة منسجمة مع مبدأ التلازم بین السلطة والمسؤولیة. في بلادنا یتمتع المسؤول بسلطات واسعة تتیح لھ الاستخدام والتنظیم والادارة وتوجیھ العمل والانفاق ولدیھ الإعلام الذي یتحدث عن ابداعاتھ وحكمتھ ونجاحھ عندما تحقق المؤسسة أي انجاز. وما أن یحدث خلل أو تعثر حتى یتوجھ الخطاب إلى اختلاق الأعذار والمبررات التي تلقي باللوم على الغیر أو الظروف أو شیطنة كل من قد یشیر إلى ھذه الأخطاء والاخفاقات . في حالات نادرة یخرج بعض المسؤولین بعد فشل مؤسساتھم في أداء ما ھو متوقع أو اكتشاف الناس لأخطاء وتعدیات على أسس ومبادئ العمل للقول بأنھم یأسفون لما حصل وأنھم یتحملون المسؤولیة عما حدث دون ترجمة ھذه الاعترافات إلى أفعال مما یجعلھا ضربا من التكتیكات الھادفة لامتصاص غضب الناس وتجنب ردات الفعل الشعبیة والانحناء في وجھ العواصف . قبل أیام ثار الرأي العام الأردني بعد انتشار نبأ تعیین عدد من أشقاء النواب في وظائف علیا دون اتباع الأسس أو مراعاة وقع التعیینات على الشارع المستفز اصلا. خلال أقل من یومین اجتمع مجلس الوزراء وشكل لجنة للمراجعة وجاء التصریح الحكومي باحتمالیة وقوع أخطاء في التعیینات مقرونة بوعد الالتزام بقواعد واضحة وشفافة في المرات القادمة ومراقبة أداء من تم تعیینھم للتأكد من صحة القرارات التي اتخذت. لا أظن أن أحدا أخذ التصریحات الحكومیة على محمل الجد فالجمیع یعلم أنھا لم تكن أكثر من محاولة لامتصاص نقمة الشارع وتھدئة مشاعر الغضب لآلاف الناس الذین فقدوا الثقة بأقوال وأفعال المسؤولین في الكثیر من المواقع العامة. الخطوة التي أقدمت علیھا الحكومة كانت سببا كافیا لتشجیع العاطلین عن العمل في العدید من
المدن والمناطق الأردنیة بتنظیم مسیرات احتجاج نحو بوابة الدیوان الملكي للاعتراض على سیاسات الاستخدام والتعیین والمطالبة بحق العمل. مع مرور الأیام وتردي اوضاع الطقس امضى المحتجون اكثر من عشرة ایام في العراء بانتظار من یخاطبھم او یستجیب لمطالبھم رافضین محاولات التوسط من قبل المتبرعین ممن ظنوا انھم یملكون قدرة التأثیر والتحریك لمجموعات الشباب الذین اصبحوا رمزا یدلل على فشل السیاسات الاقتصادیة وبرامج التشغیل في حل اكثر مشكلات البلاد استعصاء واوسعھا انتشارا بین شباب وشابات الأردن. الاستجابة المرتبكة للحكومة والاعلان عن توفر الوظائف أضعفت كثیرا الموقف الحكومي وكشفت انعدام ومحدودیة البرامج وضحالة الحلول والمقترحات التي تملكھا الحكومة للتعاطي مع احدى الاولویات التي قالت الحكومة بأنھا ستواجھھا من خلال تحفیز النمو وتولید فرص العمل. اجراءات امانة العاصمة خلال المنخفض الجوي الأخیر أثارت جدلا واسعا بین أھالي المدینة وكل المتابعین لأدائھا. ففي الیوم السابق على بدء المنخفض أعلنت عن استكمال استعداداتھا وجاھزیة كوادرھا وآلیاتھا لمواجھة الاوضاع الجویة وما قد ینجم عنھا . وما أن بدأت الحالة الجویة تأثیرھا حتى وجد التجار والسكان في وسط المدینة أنفسھم في مواجھة الاوضاع بمفردھم حیث غرقت المتاجر وتشكلت السیول والبرك لیفقد الكثیر منھم موجودات متاجرھم ویتولوا بأنفسھم ضخ المیاه وفتح المناھل واستئجار الآلیات . في الأیام التي تلت الازمة قال امین العاصمة بأنھ یتحمل المسؤولیة دون أن نعرف أو یعرف المتابع كیف؟ في اوروبا وآسیا وحتى افریقیا یستقیل المسؤول عندما تخفق المؤسسة ومن غیر المعقول أن تتحمل الامانة التي یمولھا الناس تبعات اخطاء ما كانت لتحدث لو تمت ادارة الازمة بمھنیة وفعالیة. انا أتحمل المسؤولیة لا تعني ان تتحمل المؤسسة تبعات اخطاء المسؤولین.
الغد - الجمعة 8-3-2019