دولة النساء
وسط حالة الاحتجاجات التي شھدتھا البلاد على مدى أشھر وتصاعدت منذ أسابیع للباحثین عن عمل من شباب الجنوب والشمال ، غابت مسألة عمل النساء وھي المشكلة الأكثر تعقیدا وصعوبة في مشھد المتعطلین عن العمل ، حیث لا قیمة للشعارات وعبارات التكریم والشكر في الیوم العالمي للمرأة فیما تزید البطالة وسط النساء الأردنیات عن 26 % حسب الارقام الرسمیة في الربع الأخیر من العام 2018 . لقد شھد الأردن في السنوات العشر الأخیرة إصلاحات تشریعیة في المجال الاجتماعي صبت في مصلحة حقوق المرأة حیث تصاعدت الإصلاحات التشریعیة لصالح تحدیث موقف الدولة والمجتمع من المرأة ؛ ومن ابرزھا تعدیلات قانون العقوبات، التي أدت إلى الغاء المادة الشھیرة 308 التي كانت تبیح تزویج المغتصب من الضحیة ووقف ملاحقتھ قانونیا، كما ھو الحال في السیاسات المرتبطة بحقوق النساء العاملات وما یسمى بالعمل اللائق، وتحفیز النساء للمزید من الشمول تحت مظلة الضمان الاجتماعي. إعادة التفكیر في مصادر قوة النساء في المجتمع الأردني یجب أن تعید تركیب المعادلة على اساس ماذا یخسر المجتمع والدولة الأردنیة من تعطل النساء ، وما حجم خسارة الدولة والمجتمع من تھمیش قوة النساء في السیاسة والاقتصاد والانتاج والثقافة والفنون ؟ مسألة عمل النساء الیوم ھي صلب معركة السنوات العشر القادمة في النھوض بأحوال الأردنیات أي النھوض بالمجتمع الأردني ، فالنساء وحدھن قادرات على تقلیل معدل الاعالة في الاقتصاد الأردني إلى النصف وقادرات على محاصرة مساحات الفقر في المدن والبلدات والقرى والبوادي، والنساء قادرات على تحسین أكثر من عشرین مؤشرا أساسیا من مؤشرات نوعیة الحیاة ، ولن یتحقق ذلك بدون العمل العادل. في المجمل تبدو البیئة التشریعیة والسیاسیة الیوم أكثر قربا للنساء من أي وقت سابق ، في المقابل تبدو البیئة الاقتصادیة أكثر تعقیدا وصعوبة على نساء وغیرھن، ولكنھا أكثر قسوة
ومرارة على النساء. السؤال الیوم كیف یمكن دمج عشرات الآلاف من الفتیات خریجات الجامعات والتعلیم المتوسط والتعلیم المھني في قطاعات الانتاج ، لنأخذ على سبیل المثال قطاع السیاحة الذي یعد القطاع الأسرع نموا والمرشح أن یكون رافعة اساسیة للاقتصاد خلال السنوات الخمس القادمة ، لقد طرحت العدید من المبادرات في ھذا المجال خلال السنوات الماضیة لكن لم تكن جادة ومستدامة بالدرجة التي تحدث تحولات حقیقیة في قیم واتجاھات المجتمع نحو عمل النساء في ھذا القطاع ، وینسحب ھذا الأمر على قطاعي تكنولوجیا المعلومات والطاقة . صحیح أن قوة مساھمة المرأة في سوق العمل قد تحسنت مؤخرا بشكل محدود ، ولكن ما تزال ھذه المساھمة ھي الأضعف عربیا واقل بكثیر من المعدلات العالمیة وتشكل مفارقة كبیرة بالمقارنة مع مؤشرات نعلیم النساء المرتفعة في الأردن ، ھناك حاجة ماسة لمراجعة خطة أولویات الحكومة التي طرحت قبل أشھر من منظور قوة النساء بما یوفر امكانیة لطرح سلسلة من المبادرات على خطین متوازیین الأول مبادرات مستدامة لدمج النساء في القطاعات الخدمیة والانتاجیة الصاعدة والثاني تحسین أوضاع المرأة في القطاع غیر المنظم الذي بات یتوسع بفوضى كبیرة. لیس من باب المبالغة القول أن الدولة بحاجة إلى قوة النساء أكثر من حاجة النساء للدولة ، على الرغم مما تبدو فیھ أحوال النساء من ھشاشة وضعف، أن قوة النساء قادرة على تحقیق ازاحة اقتصادیة فارقة تلقي بظلالھا على مختلف مناحي الحیاة وعلى التطور الاجتماعي والاقتصادي. معركتنا من اجل المرأة طویلة، ومعركة توظیف قوة النساء من اجل بناء قوة الدولة تكمن في الاقتصاد ولھا أبواب خلفیة أھم من الأبواب التقلیدیة التي كلما ولجناھا لم نجد إلا السراب، المعركة السیاسیة والثقافیة من أجل المرأة ھي الاخرى اقتصادیة أي بمعنى تغییر اتجاھات المجتمع نحو عمل المرأة ، المسألة في العمل أولا واخیرا.
الغد - السبت 9-3-2019