الجزائر .. إلى أين ؟
يأخذ الوضع في الجزائر ابعادا مختلفة تتداخل فيها الخطوط والخيوط في بلد لا يقبل القسمة على اثنين .
الإثنان هما : العسكر والدولة العميقة ، والمصالح الدولية التي خرج اعلان رئيس الأركان الأول ليبث إليهما الطمأنينة ، وبأنه قادر على الإمساك بزمام الأمور في أي وقت يختاره وفي اي فصل يحدده ، محذرا " المغرر بهم " قبل ان يؤكد في بيان لاحق وحدته مع الشعب ، بدون تفسير لمعنى هذه الوحدة .
تطور التظاهرات في الجزائر وازدياد زخمها يوما اثر يوم لا يعني أن الأمر سيحسم لصالح المتظاهرين فورا ، بمعنى : أنه إذا اتخذ القرار واقر الجيش تنفيذ خطابه الثالث الذي اعلن فيه " الوحدة مع الشعب " فإن هذا يعني تأجيل الانتخابات من خلال تفعيل المادة 102 من الدستور ومن ثم تحديد موعد لإجرائها بدون بوتفليقة وبضمانة الجيش نفسه ،حتى وإن كان هذا في معناه الدستوري انقلابا " ابيض " على القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو هنا رئيس مريض مقعد قد لا يكون يعي بالضبط ماذا يجري من حوله ، وعلى كل حال ، فهذا مجرد سيناريو لكون الداخلية أعلنت أن الانتخابات ستجري في موعدها في الثامن عشر من نيسان القادم .. .
وإذا ما استرجعنا ما جرى في بلد افريقي شهد ربيعا عربيا ، فإن ذات السيناريو ربما يتم استنساخه أمريكيا واوروبيا وفرنسيا على وجه التحديد ، فالامريكان لا يريدون أن يغيبوا عن المشهد بالمطلق ، والأوروبيون يريدون الاستقرار اتقاء لموجات الهجرة ، بينما لا يزال الفرنسيون يلعبون في الخفاء ، فمن جهة ، هم مطمئنون للجيش الذي وصلت رسالته اليهم بالقدرة والقوة المطلقة بلا منازع ، وهم في نفس الوقت لا يريدون أن يخسروا مبادئ الجمهورية برغم ما جرى للسترات الصفراء ، فرأيناهم في حالة صمت مريب ، لكن مصالحهم التاريخية في هذا البلد أعمق من ان يديروا لها ظهورهم رغم هتاف المتظاهرين ضدهم في الشوارع ، كما أن هناك شبح مئات آلاف المهاجرين في حال فقدت الجزائر استقرارها ، وهناك الاقتصاد والنفوذ واللغة والخوف من الارهاب .
لم تخرج المطالبات حتى الآن عن إنهاء الولاية الخامسة والبدء بصفحة جديدة للجزائر ، ولكن اية صفحة جديدة يا ترى ..
إننا نتحدث عن بلد السلطة المطلقة ، وخسارة الإمتيازات ليست سهلة ، فدونها ما لا تحمد عقباه ، وهو ما لا يرضاه أحد لهذا البلد العربي العزيز ، بلد المليون شهيد ..الذي نتمنى له السلامة والنجاة والانتصار على كل التحديات الظاهرة منها والباطنة .
د.فطين البداد
المصدر جي بي سي نيوز