الأطفال حين لا بواكي لهم
صدمت الأردنیین وأقضت مضجعھم حادثة الأب الذي دفع بطفلھ مربوطا بعربتھ الى الماء لیغرق في خلیج تایلند. تفاصیل الحادثة مرعبة وتعذب ضمیر كل واحد فینا ومن الصعب على العقل السوي تخیل إقدام أب على ھذا العمل الذي یواجھنا بالسؤال الممض: كیف أمكن ان یحدث ھذا؟ حسب المعلومات فالأب مریض نفسي، وھي الاجابة الوحیدة التي تعطي تفسیرا یقبلھ العقل وھو ما حدث في حالات قتل سابقة لأطفال صدمت المجتمع الأردني، ھذا مع اننا لا نرید ان نقبل ھذا التفسیر سلفا بما یتضمنھ من تبریر وتفسیر یریح الضمیر ویخفف مسؤولیة القاتل، وعلى كل حال ثمة حوادث أخرى من إساءة المعاملة المستمرة والتعذیب المفضي الى الموت لم یكن الجاني مصنفا بالمعنى الطبي كمریض نفسي. من المؤسف ان من بین من خرجوا في العفو العام الأخیر قتلة اطفال فالنص العام شمل بالعفو جرائم القتل التي تم فیھا اسقاط الحق الشخصي والضحایا الأطفال یكون ولي الأمر الذي یسقط الحق الشخصي ھو نفسھ المجرم، وحین یكون الأب ھو الجاني تخضع الأم المكلومة لضغوط اجتماعیة وتھدیدات تجبرھا على اسقاط الحق الشخصي. والمشرعون یجب ان یعذبھم ضمیرھم على ھذه السقطة، والحال ان الأطفال ضحایا العنف الاسري لا ولي دم لھم الا الدولة والمجتمع، وكما لم یحمھم المجتمع من البشاعات المرعبة التي ارتكبت بحقھم یتھاون في الاقتصاص لھم من قاتلیھم. الحقیقة ان تعدیلات تشریعیة حدثت لتطویر مبدأ حمایة الطفولة من العنف الاسري الداخلي، وھي وجدت في حینھ مقاومة من العقلیات الرجعیة التي تتذرع بالأعراف والتقالید التي تعتبر كل ما یحدث داخل الاسرة شأنا داخلیا لا یجوز تدخل الدولة فیھ. وبذل نشطاء وناشطات المجتمع المدني جھودا كبیرة لتعزیز الحمایة القانونیة للنساء المعنفات والأطفال المعذبین وأصبح المجتمع اكثر قبولا للمسؤولیة الاجتماعیة من خلال مؤسسات الدولة كالتنمیة الاجتماعیة
وحمایة الاسرة، وأصبحت النساء بفعل ذلك اشجع واقدر على طلب المساعدة والحمایة، ولم یعد الرجال احرارا مطلقي الید في إساءة معاملة نسائھم. لكن المشكلة بالنسبة للاطفال وخصوصا بأعمار صغیرة أنھم لا یعرفون في العالم غیر ذویھم الذین یفترض ان یكونوا الملاذ الآمن والموثوق لھم. بعد بعض الحوادث الصاعقة لتعذیب أبناء أو قتلھم تم اجراء تعدیلات تشریعیة تجعل التبلیغ عن سوء معاملة الاطفال إلزامیا من طرف الاشخاص او الجھات التي تتعامل مع الاطفال كالمدارس والمعلمین والاطباء وغیرھم، اذ ھم ملزمون بالتبلیغ. كذلك تم ادخال مبدأ حمایة الشھود والمبلغین، والحق ان ذلك كان لھ أثر ایجابي مزدوج أولا على الثقافة العامة للناس باعتبار ان الاساءة الى الأطفال لیست شأنا أسریا داخلیا بل مسؤولیة ضمیریة وقانونیة للعائلة الأوسع وھي المجتمع، وثانیا على السلوك العملي لكل من یصدف ان یطلع على سوء معاملة أو تعذیب بتبلیغ الجھات المسؤولة. لكن كما نرى لم یكن ذلك كافیا وما یزال الأطفال یفتقرون للحمایة اللازمة في اغلب الحالات وأخطرھا ان یكون أحد الأبوین مریضا نفسیا وفصامیا بما یجعل الأطفال على الدوام في لحظة ما لا یمكن توقعھا مشروع ضحیة. یجب ان نقدم اجابات مقنعة في ھذا الجانب، ویجب ان یدعم ّ التشریع تدخل جھات الرعایة الاجتماعیة الاستباقي، وكنت قبل سنوات قد أثرت الموضوع بشدة لكن شیئا لم یحصل، ونفھم ان الموضوع من حیث الترجمة العملیة لدور الدولة في حمایة الضحایا المحتملین والأطفال تحدیدا ھي مسألة صعبة ومعقدة لكن ھذا لا یبرر التقاعس. والحادثة الأخیرة تضعنا وجھا لوجھ أمام مسؤولیاتنا كدولة ومجتمع.
الغد - الجمعة 15-3-2019