الأطفال حين لا بواكي لهم

تم نشره الجمعة 15 آذار / مارس 2019 12:38 صباحاً
الأطفال حين لا بواكي لهم
جمیل النمري

صدمت الأردنیین وأقضت مضجعھم حادثة الأب الذي دفع بطفلھ مربوطا بعربتھ الى الماء لیغرق في خلیج تایلند. تفاصیل الحادثة مرعبة وتعذب ضمیر كل واحد فینا ومن الصعب على العقل السوي تخیل إقدام أب على ھذا العمل الذي یواجھنا بالسؤال الممض: كیف أمكن ان یحدث ھذا؟ حسب المعلومات فالأب مریض نفسي، وھي الاجابة الوحیدة التي تعطي تفسیرا یقبلھ العقل وھو ما حدث في حالات قتل سابقة لأطفال صدمت المجتمع الأردني، ھذا مع اننا لا نرید ان نقبل ھذا التفسیر سلفا بما یتضمنھ من تبریر وتفسیر یریح الضمیر ویخفف مسؤولیة القاتل، وعلى كل حال ثمة حوادث أخرى من إساءة المعاملة المستمرة والتعذیب المفضي الى الموت لم یكن الجاني مصنفا بالمعنى الطبي كمریض نفسي. من المؤسف ان من بین من خرجوا في العفو العام الأخیر قتلة اطفال فالنص العام شمل بالعفو جرائم القتل التي تم فیھا اسقاط الحق الشخصي والضحایا الأطفال یكون ولي الأمر الذي یسقط الحق الشخصي ھو نفسھ المجرم، وحین یكون الأب ھو الجاني تخضع الأم المكلومة لضغوط اجتماعیة وتھدیدات تجبرھا على اسقاط الحق الشخصي. والمشرعون یجب ان یعذبھم ضمیرھم على ھذه السقطة، والحال ان الأطفال ضحایا العنف الاسري لا ولي دم لھم الا الدولة والمجتمع، وكما لم یحمھم المجتمع من البشاعات المرعبة التي ارتكبت بحقھم یتھاون في الاقتصاص لھم من قاتلیھم. الحقیقة ان تعدیلات تشریعیة حدثت لتطویر مبدأ حمایة الطفولة من العنف الاسري الداخلي، وھي وجدت في حینھ مقاومة من العقلیات الرجعیة التي تتذرع بالأعراف والتقالید التي تعتبر كل ما یحدث داخل الاسرة شأنا داخلیا لا یجوز تدخل الدولة فیھ. وبذل نشطاء وناشطات المجتمع المدني جھودا كبیرة لتعزیز الحمایة القانونیة للنساء المعنفات والأطفال المعذبین وأصبح المجتمع اكثر قبولا للمسؤولیة الاجتماعیة من خلال مؤسسات الدولة كالتنمیة الاجتماعیة

وحمایة الاسرة، وأصبحت النساء بفعل ذلك اشجع واقدر على طلب المساعدة والحمایة، ولم یعد الرجال احرارا مطلقي الید في إساءة معاملة نسائھم. لكن المشكلة بالنسبة للاطفال وخصوصا بأعمار صغیرة أنھم لا یعرفون في العالم غیر ذویھم الذین یفترض ان یكونوا الملاذ الآمن والموثوق لھم. بعد بعض الحوادث الصاعقة لتعذیب أبناء أو قتلھم تم اجراء تعدیلات تشریعیة تجعل التبلیغ عن سوء معاملة الاطفال إلزامیا من طرف الاشخاص او الجھات التي تتعامل مع الاطفال كالمدارس والمعلمین والاطباء وغیرھم، اذ ھم ملزمون بالتبلیغ. كذلك تم ادخال مبدأ حمایة الشھود والمبلغین، والحق ان ذلك كان لھ أثر ایجابي مزدوج أولا على الثقافة العامة للناس باعتبار ان الاساءة الى الأطفال لیست شأنا أسریا داخلیا بل مسؤولیة ضمیریة وقانونیة للعائلة الأوسع وھي المجتمع، وثانیا على السلوك العملي لكل من یصدف ان یطلع على سوء معاملة أو تعذیب بتبلیغ الجھات المسؤولة. لكن كما نرى لم یكن ذلك كافیا وما یزال الأطفال یفتقرون للحمایة اللازمة في اغلب الحالات وأخطرھا ان یكون أحد الأبوین مریضا نفسیا وفصامیا بما یجعل الأطفال على الدوام في لحظة ما لا یمكن توقعھا مشروع ضحیة. یجب ان نقدم اجابات مقنعة في ھذا الجانب، ویجب ان یدعم ّ التشریع تدخل جھات الرعایة الاجتماعیة الاستباقي، وكنت قبل سنوات قد أثرت الموضوع بشدة لكن شیئا لم یحصل، ونفھم ان الموضوع من حیث الترجمة العملیة لدور الدولة في حمایة الضحایا المحتملین والأطفال تحدیدا ھي مسألة صعبة ومعقدة لكن ھذا لا یبرر التقاعس. والحادثة الأخیرة تضعنا وجھا لوجھ أمام مسؤولیاتنا كدولة ومجتمع.

الغد - الجمعة 15-3-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات