ما جرى في الجزائر!!
من أسوأ ما سمعنا بالنسبة لما جرى في الجزائر العزيزة فعلاً هو أن هناك من ذهب بعيداً في تمنياته الإجرامية وبأن يغرق هذا البلد بما غرقت به دول عربية أخرى من بينها سوريا وليبيا..والعراق قبل أن «تعتدل» أوضاعه ولعلَّ هؤلاء لا يعرفون أنه إذا اشتعلت النيران في بلد المليون ونصف المليون شهيد، لا سمح االله، فإن إخمادها سيحتاج إلى سنوات طويلة فالأمور هناك تختلف كثيراً عن الأمور في دول أخرى وها هو التاريخ أمامنا وبالإمكان مراجعته للتعرف على حالات كثيرة. كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الـ «Fis «قد أغرقت الجزائر في عام 1992 في حرب مدمرة إستمرت لعشرة أعوام أطلق عليها الجزائريون الـ «عشرية السوداء» والواضح أن هذه الجبهة ومعها، بالإضافة إلى بعض الإنتهازيين، تشكيلات متطرفة كثيرة تحاول إحباط خطوات التهدئة، والحل المطلوب الذي أقدم عليه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه، وتحاول إختطاف التظاهرات السلمية الشبابية وتصعد بها إلى الجبال وإعادة تشكيل «الجيش الإسلامي للإنقاذ» الذي قيل أن مواجهاته مع الدولة الجزائرية قد أسفرت عن خسائر تم تقديرها بمئات المليارات من الدولارات وهذا بالإضافة إلى 200 ألف قتيل وخسائر أخرى ماثلة لا تزال آثارها ماثلة للعيان. لقد أدرك عبدالعزيز بوتفليقه الذي هو آخر ما تبقى من جيل المجاهدين، وبالطبع معه بعض رفاق هذه المسيرة العظيمة، أن شرعية الثورة قد إنتهت وأن شرعية الدولة من المفترض أنها بدأت وأن الشباب الذين بادروا إلى هذه الإنتفاضة السلمية الضرورية تختلف مطالبهم وتطلعاتهم عن تطلعات ومطالب جيل المجاهدين والجيل الذي جاء
لاحقاً في إطارهم وأنه لا بد من الإستجابة لهؤلاء فكانت هذه المبادرة الخيرة التي وضعت هذا البلد العظيم على بداية مرحلة جديدة غير المرحلة السابقة التي إستمرت منذ عام 1962 وحتى هذه الأيام الأخيرة. والمشكلة، التي يجري الحديث عنها في الجزائر، أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباس مدني وعلي بلحاج، الذي يقال أنه على صلة بـ «داعش» وبما يسمى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، قد لجأت، حتى بعد المبادرة الخيرة فعلاً التي أقدم عليها الرئيس بوتفليقة، إلى التصعيد وأنها ومعها بعض التنظيمات الأخرى تحاول إختطاف هذه «الهبة الشبابية» السلمية تسديداً لحسابات قديمة وهنا فإن هناك من يتهم الإخوان المسلمين بأنهم هم بدورهم متورطون في حرف هذه الإحتجاجات عن مسارها السلمي ووضعها على طريق التذابح والإقتتال وعلى ما كانت عليه الأوضاع ولعشرة أعوام دامية بعد عام 1992. وعليه فإنه لا شك أن الأوضاع في هذا البلد لم تستقر بعد وأن هناك مخاوف فعلية من أن تنزلق الأمور إلى غير ما أرادته الإنتفاضة الشبابية لكن مما يطمئن فعلاً هو أنَّ هناك مساحة فعلية لإنجاح مبادرة الرئيس بوتفليقة وهو أن التفوق هو لجبهة العقلاء وهو أيضاً أن العمل لتنفيذ كل ما جاء في هذه المبادرة قد بدأ جدياًّ وفعلياًّ وهذا وقبل كل شيء، أن الشعب الجزائري حريص على بلده الذي إنتزع إستقلاله بثورة عظيمة ونادرة إستمرت منذ العام 1954 وحتى العام 1962 سقط خلالها مليون ونصف المليون شهيد.. واللهم إحفظ الجزائر وجنبها كل سوء.
الراي - الاثنين 18-3-2019