تقاليد مشتركة في استدعاء المؤامرة
اعادت الجریمة الارھابیة التي ارتكبھا متطرف استرالي بحق مصلین في نیوزیلاندا سیلا جارفا من استدعاء فكرة المؤامرة، ویبدو ان تقالید المؤامرة لا تقتصر على العرب وحدھم ؛ فھناك اعتقاد عند البعض ان العرب اكثر الشعوب قدرة على انتاج فكرة المؤامرة، وھذا صحیح الى حد ما، ولكن المھم ان العرب لیسوا وحدھم من یصر على ارتیاد مدرسة المؤامرة والاخذ من وصفاتھا الجاھزة بل ثمة ظاھرة تاریخیة ومدرسة تجذرت تدعي بوجود قوة او قوى عالمیة خفیة في السیاسة الدولیة والاقتصاد تدیر العالم حسب مصالحھا وتصنع النجوم وتطیح بدول ومؤسسات وترفع من شأن اخرى، واحیانا ان التاریخ الانساني سلسلة من المؤامرات وجولات الثأر كما ھو الحال في قراءة ما كتبھ المتطرف الاسترالي وما كرره في رسائلھ. الجدید في الامر انھ بعد عقود من تراجع الأخذ بفكرة المؤامرة في الكثیر من الثقافات والصراعات، تعود الیوم ھذه الفكرة لتنتشر بقوة من جدید وحتى في اعرق الدیمقراطیات علینا ملاحظة ما یجري الیوم في الولایات المتحدة؛ وسط العامة وبعض قادة الرأي وبعض الخبراء ولدى السیاسیین وفي وسائل الإعلام. من المعروف ان فكرة المؤامرة تنتشر في اوقات الصراعات الحادة وفي الظروف التي تمیل فیھا القوى الدولیة الى ادارة الصراعات بدل حلھا. في ھذه الاثناء تزدحم القضایا والقصص في السیاسیة الدولیة وفي الشؤون الداخلیة التي بات تیار طویل عریض یربطھا بفكرة المؤامرة، لنبدأ من آخر الصف ؛ تطل نظریة المؤامرة برأسھا بشأن ما جرى في الانتخابات الامیركیة (2016 (والغریب ان تیارین من الحزبین رددا المقولة ذاتھا ؛الرئیس دونالد ترامب لم یتوقف عن تردید ان مؤامرة تحاك ضده ووسائل الإعلام وشركات التكنولوجیا الجدیدة اطراف بھا والحزب الدیمقراطي وتیار عریض یشتم رائحة مؤامرة روسیة بالتدخل بالانتخابات، والانفصال البریطاني عن الاتحاد الاوروبي یراه كثیرون انھ نتیجة مؤامرة وخداع، الربیع العربي والثورات العربیة سوقت لدى تیار واسع من قادة الرأي والسیاسیین وفي الإعلام بأنھا مؤامرة كبرى جدیدة، وقبل ذلك بسنوات تردد بقوة ان ھجمات
الحادي عشر من ایلول مؤامرة اخرى. في دراسة اكادیمیة ظھرت مؤخرا حول تاریخ الاكاذیب والاخبار المزیفة وعلاقتھا بالأوضاع السیاسیة، تبین ان الجمھور الامیركي كان اكثر میلا للإیمان بنظریة المؤامرة في اوقات الصراع السیاسي حیث وصلت ذروة ھذا الامر اثناء اشتعال الحرب الباردة في الستینیات والسبعینیات حتى اتھمت حركة الحقوق المدنیة بأنھا جزء من مؤامرة ورد طرف آخر بأن اغتیال مارتن لوثر كنج جزء من مؤامرة كبرى كما ان الدراسات المسحیة ذھبت الى ان نحو 40 – 60 % من الامیركان یؤمنون بالمؤامرة في ذلك الوقت، في الثمانینیات وبدایة التسعینیات تراجعت بقوة نظریة المؤامرة وتراجعت النسب الى 5 – 10 % في القرن الجدید عادت نظریة المؤامرة بقوة من جدید. المشكلة؛ انھ في الوقت الذي تتشكل في الغرب نفسھ مدرسة تتنامى وتؤمن وتروج للمؤامرة التي تحاك في مكان ما، تمارس السیاسة في معظم الاوقات بعقلانیة باردة منطلقھا المصالح وتستخدم كافة الادوات في سبیلھا، في حین لا یحدث ھذا الامر في جھات اخرى من العالم بل یتم الاستسلام لھذه الفرضیة للھروب من مواجھة المصیر، بل احیانا تصبح استراتیجیة المؤامرة جزءا من الاستراتیجیة الدعائیة في ادارة المصالح بمعنى لا بأس ان یتنامى اعتقاد الناس بوجود مؤامرة ما من اجل تمریر ھدف آخر.
الغد = الاثنين 18-3-2019