عن مجزرة نيوزلندا واليمين المتطرف
لا يمكن ان يكون سفاح نيوزلندا مجرد يميني متطرف نازي النزعة ، ذلك أن النازية التي هي بالأساس اعتقاد جازم بعلو الأعراق العليا على الدنيا لم تستهدف المسلمين بالاساس منذ صعود السفاح هتلر في العام 1933 الى نهاية الحرب الثانية واحتلال برلين ( نتحدث في التاريخ ) ولنا في اتصالات أمين الحسيني ، مفتي القدس ، مع القيادة الالمانية شاخصة تدلل على أن دعاة التطرف اليميني المعاصرين يدمجون في عقيدتهم بين هذه - ببعض وجوهها - وبين العداء للاسلام بالذات انطلاقا مما اشتهر منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بالاسلاموفوبيا Islamophobia .
وإذا كان الساسة الغربيون الذين أدان بعضهم المجزرة على استحياء كما فعل ترامب الذي كتب تغريدة مخزية دون ان يذكر أن الضحايا مسلمون، وكذلك ما غرد به السيناتور الاسترالي فريزر إينينغ الذي تلقى بيضة على رأسه من أحد الفتيان وقس عليهما : إذا كان الساسة بعمومهم يزعمون بأنهم ضد قتل الاجانب او طردهم دون ان يذكروا المسلمين ايضا ، فذلك من منطلق أن بعضهم واقول " بعضهم " هم أنفسهم مؤمنون بما يؤمن به السفاح بريتون تاران ، بل وما يؤمن به ترامب ، ولقد مارست بعض دولهم أساليب تحريضية وشرعنت بطرق التفافية العداء للاسلام والمسلمين ، وما فعلته بعض البلدان بالحجاب ليس ببعيد ، يضاف الى ذلك نوازع سياسية انتخابية وربما عقدية راسخة في عقولهم وتربيتهم وكوامن نفوسهم الا من رحم ربي منهم .
أما إذا إذا اتكأ البعض على المهاجرين " الذين يريدون تغيير خارطة القارة " فإن السؤال هو : من هم هؤلاء الذين يريدون تغيير خارطة اوربا من وجهة نظرهم .. أليسوا بأغلبيتهم مسلمين ولا احد سواهم ( 70 % من مهجري العالم مسلمون ) ويكفي ما يحسم هذه المسألة ما كتبه السفاح على أسلحته الرشاشة قبل تنفيذه المذبحة .
إن الشعوب الاوروبية ، بمجملها شعوب طيبة مسالمة ، وهي شعوب لا دينية اصلا ، بدأت تثور على أنظمتها السياسية التي افقرتها بفعل نظم رأسمالية حصرت الثروة بأيدي عصابة من الراسماليين الجشعين والشركات العائلية وفق ليبرالية اقتصادية أصبحت بالية بلا أدنى قيمة اجتماعية (ثورة السترات الصفراء مثالا ) إلا أن الخطاب الاعلامي والسياسي العنصري والمتطرف ، إضافة لغضب الشعوب المتصاعد ، بدأ يحرف الاعتدال باتجاه اليمين ، ويمين اليمين ، فرأينا نتائج الانتخابات تفرز هذا الاتجاه بصوره المختلفة .
وإذا كان العالم يسمي قتل المدنيين ارهابا ، ومجرد الدعوة لطردهم ارهابا ، والتضييق عليهم ارهابا ، واضطهادهم الديني ارهابا ، أفلا يجدر بالساسة والقادة الغربيين أن يستلهموا العدالة والسمو الانساني من رئيسة وزراء نيوزلندا الشجاعة ، ويصفوا الحركات اليمينية في بلدانهم بأنها حركات " إرهابية " ؟؟ .
هم لن يفعلوا ذلك لأسباب ذكرناها ، ولسبب وجيه آخر هو أن : فاقد الشيء لا يعطيه .
د.فطين البداد
المصدر : جي بي سي نيوز