المواجهة..
تكبر أزمة «باب الرحمة»، أو هكذا يراد لها إسرائيليّاً، في سياق محاولات مستميتة لتصفية القضية الفلسطينيّة، وطي ملفها، من بوابة العبث برمزيتيها: القدس واللاجئين. الرمزيتان السابقتان، ورغم أنهما من قضايا الحلّ النهائي، إلاّ أن تفاهمات إسرائيليّة أميركيّة انتهت إلى سعي لضرب هاتين الرمزيتين، القدس بنقل سفارة واشنطن إليها واعتبارها عاصمة للكيان، واللاجئين عبر محاولة تصفية «الأونروا». خطوتان تأتيان في سياق تحضير، ميداني وعملي، لـ «صفقة القرن» غامضة التفاصيل، وتضعان الأردن في مواجهة سياسيّة جدّية مع «إسرائيل» وأميركا، عنوانها المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة. هي مواجهة مفتوحة، الآن، ومتصاعدة، ويمكن الجزم بأن الأردن، بقيادة مباشرة من جلالة الملك، يخوضها وحيداً دفاعاً عن القدس، وعن الوصاية الهاشميّة التي باتت تشكل شبكة حماية وحيدة للمقدسات. نقصد ذلك تماماً؛ عندما نقول يخوضها الأردن وحيداً، فعمّان تجابه وحدها، وأحياناً مكشوفة الظهر، عربياً وإسلامياً، فليس من سند حقيقي، ولا عون جدي، وكأن القضية الفلسطينيّة والقدس ومقدساتها لا تعني أحداً سواهما، الأردنيين والفلسطينيين.
الأردن وجلالة الملك، رأس الرمح في الدفاع عن القدس والمقدسات، وهذه تفرض، من باب المسؤولية التاريخية، قيام حالة حشد واسعة لإسناد الملك، ودعم إدارته، ليس لأزمة «باب الرحمة» فقط، بل ولكل المواقف تجاه القضية الفلسطينية، ومنع محاولات شطبها وتصفيتها. ذلك يتحقق بأن يكون هناك: أولاً: موقف شعبي أردني قوي، داعم ومساند لموقف الدولة الأردنيّة، يقف خلف الملك ويسنده في مواجهته للسياسات الأميركيّة والإسرائيليّة. وهو ما يستدعي أكثر من أي وقت مضى، أن نحيّد، كأردنيين، خلافاتنا الداخليّة ونصطف في مواجهة مخاطر وتداعيات ما يخطط لفلسطين وقدسها ومقدساتها. ثانياً: موقف شعبي وسياسي قوي وعلني من الداخل الفلسطيني؛ ضفة وقطاعاً ومقدسيين، يسند موقف الدولة الأردنيّة، ويعطي كامل الزخم لتحركات جلالة الملك ومؤسسات الدولة السياسيّة والدبلوماسيّة لكبح جماح «إسرائيل» التي يمنحها الصوت والموقف العربي والإسلامي الضعيف جرأة أكبر على المضي في سياسة تصفية القضية. ثالثا: موقف عربي وإسلامي، دولاً وشعوباً، لا تخاذل فيه ولا تهاون، يمنح الأردن الغطاء الكامل لمواصلة التصدي، موقف لا يكشف ظهر الدولة الأردنيّة ولا يضعفها، ومثل هذا الغطاء ضرورة لتأكيد حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ويحفظ المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة من العبث. نعم، الأردن يحتاج كل هذا الدعم، والوصاية الهاشمية عنوان من عناوين مواجهة دائمة هدفها الأول والأخير حماية القدس والمقدسات، وفي إطارها العام المحافظة على حق الشعب الفلسطيني بدولته. لكن أن يترك الأردن وحيداً، يجابه ويدافع، من غير موقف فلسطيني وعربي وإسلامي داعم ومساند يتردد صداه في أرجاء العالم والمحافل الدوليّة، فإن القضية الفلسطينيّة ستواجه خطر تصفية حقيقيّاً. مثل هذه التصفية، والتي تطال، في سياقها، القدس والمقدسات، ستأتي بطوفان يهزّ أركان المنطقة كلها، وستكون أكلافه كبيرة، وتداعياته صعبة، ولن يكون أي بلد بمنأى..
لقد دبّ الأردن، وجلالة الملك، الصوت مرات ومرات، ونبّه وحذّر من هكذا مخاطر وأكلاف، وقد آن الأوان لتظهر المواقف، العربيّة والإسلاميّة، الحقيقيّة لتعين الأردن على ما يواجه من تحديات وضغوطات، وتضمن للشعب الفلسطيني دولته.
الراي - الاربعاء 20-3-2019