الأردن والقدس: ما الجديد ؟
أصبح من الواضح أن اسرائیل تنفذ مصفوفة متوالیة من الأزمات المتتابعة حول الأماكن الدینیة في القدس الشرقیة وتحدیدا المسجد الأقصى ، ولیس من المتوقع ابدا أن تكون أزمة باب الرحمة آخرھا ، بل استمرارا لنھج من المتوقع أن یتصاعد ویأخذ مداه خلال الاشھر القادمة بھدف تحقیق التقسیم الزماني والمكاني لـ“الأقصى“، وفي كل ھذه الأزمات یجد الأردن نفسھ وحیدا في مواجھة التحدي الإسرائیلي الذي بات واضحا أنھ مدعوم ببرنامج سیاسي أمیركي ھو الأخطر في تاریخ الصراع . المواجھة الأردنیة تأتي وسط مساحة محدودة للمناورة ، وضعف عربي غیر مسبوق ، بل وتماه عربي في الخطة الأمیركیة ، وضعف فلسطیني داخلي مع استمرار حالة الانقسام . الأردن الیوم الرسمي والشعبي أكثر تماسكا من أي وقت سبق ، واكثر وضوحا سیاسیا واستراتیجیا في ھذا الملف ما یتطلب مراجعة سیاسیة وإعلامیة تنسجم مع ھذا التماسك والوضوح حتى لا نصحو في یوم على وقائع صادمة أو یكتشف أن میاھا تجري من تحت أسوار المدینة دون أن یأخذ خبرا أو علما من أحد ، قد یحدث ذلك في الوقت الذي تعیش فیھ القضیة الفلسطینیة أضعف حالتھا فیما تتراجع مكانة الدفاع عن القدس في الخطاب السیاسي للعالم الاسلامي المنقسم بصراعاتھ ، كما ھو الحال في تعاظم المخاطر التي تھدد الھویة الثقافیة للمدینة والھجمة غیر المسبوقة من قبل الیھود المتطرفین الذین اصبحوا جزءا من السلطة في تل ابیب . لقد تطور الخطاب السیاسي الأردني تجاه القدس وفق محددات مراحل الصراع والتسویة وانتقل من خطاب التمسك بالسیادة على القدس والمسؤولیة الشرعیة والقانونیة عنھا إلى المطالبة الواضحة بالدولة الفلسطینیة وعاصمتھا القدس الشرقیة، والالتزام بتسلیم الفلسطینین للادارة الدینیة للمواقع المقدسة في ترتیبات الحل النھائي ، وفي كل المراحل حافظ الخطاب السیاسي الأردني على أكثر الثوابت استمراریة والمتمثلة بالوضع القانوني للمدینة والدفاع عن ھویة
لقدس الثقافیة، المتمثلة في حمایة تراث المدینة المقدسة الإسلامي والمسیحي، وحمایة الھویة الدیمغرافیة فیھا إدراكاً بأن مسألة الھویة في نھایة المطاف ستقرر مصیر المدینة المقدسة. ھل الخطاب السیاسي في مسألة الولایة الدینیة قابل أن یشھد تحولات خلال الفترة القادمة ؟ ھذا وارد في سیاق معادلة القدرة والإرادة التي تتحرك وفق ثلاثة مبادئ وھي : المصالح الوطنیة الأردنیة ، والالتزام الأردني حیال الشعب الفلسطیني ومصالحھ ، والمسؤولیة التاریخیة والدینیة للھاشمیین . عملیا فقد شھد ھذا الخطاب تحولات عدیدة من خطاب الولایة الدینیة المباشر على القدس إلى مبدأ “ لا سیادة على القدس إلا الله“ والذي طرحھ الملك الحسین لأول مرة بعد 1994 وفسر على أساس انھ یقصد بالقدس الدینیة المساحة الجغرافیة التي تضم المواقع الدینیة الإسلامیة والمسیحیة والممتدة على مساحة واحد كیلو متر مربع، وتحویل مسألة السیادة علیھا إلى مسألة إنسانیة وعالمیة ودینیة، ما یعني عملیاً الحدیث عن ثلاث مدن تعني القدس ( القدس الغربیة عاصمة إسرائیل، والقدس الشرقیة عاصمة الدولة الفلسطینیة، والقدس الدینیة) ما قاد إلى تردد عبارة “ الدولة الفلسطینیة وعاصمتھا في القدس“ على لسان الملك الحسین في منتصف التسعینیات لأول مرة في الخطاب السیاسي الأردني ، وصولا الى خطاب الربط بین الحل الدیني والسیاسي ، حیث یدعو الخطاب الأردني الى منح الجانب الدیني في مستقبل القدس مكانتھ الحقیقیة باعتباره جوھر الصراع . الیوم ، ووفق الوقائع والمعادلات القائمة ، فإن مسار النھج الاسرائیلي واضح ویذھب نحو تقسیم المسجد الاقصى فالخطاب الاسرئیلي بات یتحول الى خطاب عالمي في وصف ھذا المكان المقدس “ المكان المقدس الاول لدى الیھود ، وثالث الاماكن المقدسة لدى المسلمین “ أردنیا لیس من المتوقع ان یتراجع الاشتباك الأردني مع ملفات القدس.
الغد الاحد 24-3-2019