باب الرحمة.. سرديتا النور والعتمة
أحياناً لفرط ما يتداعى ثقل التاريخ والجغرافيا، تذهب إلى ظلال الأشياء، فتصغي إلى الصوت وأنت تحدق في المعنى وتلوذ به متخيلًا، فيأتي شجيًا من بعيد ليؤنس ما ترى في الأفق، وتقرأ دلالات الأسماء بخبرات الوجدان وتأويلاته. «في باب غرقان بريحة الياسمين في باب مشتاق..» أغنية فيروز كتبها الشاعر جوزيف حرب في حالة تصوف، وهي أغنية تفتح في القلب على مساحة تأمل التاريخ بمغزى الحكاية التي أغلق فيها الباب الذي سمي لجماله بالباب الذهبي كناية عن النور. ويقال إن الباب المسقوف بقوسين يرتكزان على عقد على أعمدة ضخمة كان أغلق أول مرة زمن صلاح الدين الأيوبي للدفاع عن المسجد الأقصى، فيما يذهب القول إلى أن العثمانيين أغلقوا الباب بناء على انتشار خرافة مفادها أن الفرنجة سيعودون ويحتلون المدينة من خلال هذا الباب.
ولكن إغلاق الباب بالنسبة للاحتلال لا ينطلق من حاجة «أمنية» ولا «استراتيجية»، بل يتأسس على سردية تقوم على أساطير تجافي الحقوق والمعاني والدلالات التي ينطوي عليها المسمى، فيغلق باب الرحمة بالمعنى الذي ينسجم مع سلطة الاحتلال القهرية، لتنتقل فكرة الصراع بين من يريد إغلاق «الرحمة»، ومن يريد أن يبقى الباب مشرعًا على أفق الرحمة وفضائها للإنسانية. لتبدو المعركة في رمزياتها بين من ينافح عن قوة النور والانفتاح والحرية التي تفضي لأبواب الأقصي بالمعنى القدسي، ومن يتمترس وراء الظلام والغلق، لتنجلي المعركة عن سرديتي النور والعتمة. ثمة أماكن وأسماء ومواقع تختزل بدلالاتها الجغرافية والتاريخية طبيعة الصراع وتكشف اضماراته السياسية في كل أبعادها واتجاهاتها واحتيالاتها. ليغدو الباب ساحة المعركة بين طرفين وجهتين وسرديتين، ويغدو «المدخل» والعتبة الأساسية لصراع الشرعية بحكم «الوصاية»، التي تحول معها الباب بكل رمزياته إلى «قلعة» للدفاع عن الحق والحرية، والتي يرى فيها الأردن «واجبًا والتزامًا»، ليس دينيًا فحسب بل وإنسانيًا لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، وحماية التاريخ والمستقبل، هو بابنا، باب بيتنا وباب قلوبنا المشرعة على النور في مواجهة عتمة القوة الغاشمة وصلف الاحتلال وظلاميته. ويبقى:«في باب حزين في باب مهجور أهلو منسيين هالأرض كلها بيوت يا رب خليها مزيني ببواب».
الراي - الاثنين 25-3-2019