عن الثورة والدولة في التجربتين الإيرانية والجزائرية

تم نشره السبت 06 نيسان / أبريل 2019 12:43 صباحاً
عن الثورة والدولة في التجربتين الإيرانية والجزائرية
عريب الرنتاوي

الجزائر تغادر مرحلة «الشرعية الثورية»، وتسعى في دخول عصر «الشرعية الديمقراطية»، شرعية صناديق الاقتراع التي لا شرعية خارجها ... المرحلة الأولى، استمرت لما يقرب من ستة عقود (1962 – 2019)، هذه فترة أكثر من كافية للانتقال من لحظة الثورة إلى مرحلة الدولة ... الثورة انقطاع في التاريخ، هدفها الإجهاز على «القديم» وتمهيد الطريق لانبثاق «الجديد»، والجديد في الحالة الجزائرية هو التخلص من الاستعمار الفرنسي المديد والمرير وتصفية إرثه وقواعد ارتكازه، وهذا حصل إلى حد كبير، إن لم يكن تحقق بشكل كامل ... لا شعب على وجه البسيطة يمكنه أن يعيش في ثورة مستمرة، أو «ثورة دائمة» وفقاً لتعبيرات ليون تروتسكي ... يتعين على الثورة في مرحلة ما أن تضع أوزارها مفسحة المجال أمام عمل جماعي دؤوب لإعادة بناء مؤسسات الدولة والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... هذه سنة الحياة.
هل ثمة من درس يمكن تعلمه من التجربة الجزائرية، وتحديداً من قبل الإخوة الإيرانيين؟.
في ظني نعم، هناك دروس كبيرة يمكن تعلمها، وكنت تناولتها قبل الحدث الجزائري، وسأتناولها اليوم بقدر أعلى من الثقة في ضوء التجربة الجزائرية المُعاشة، والتي تتوالى فصولها بسرعة مذهلة أمام ناظرينا، وأبدأ بالقول:
إن إيران بخلاف الجزائر، لم تكن ثورة ضد مستعمر، بل ثورة ضد «عدو داخلي»، صحيح أن شاه إيران احتفظ بعلاقات وطيدة مع الغرب والولايات المتحدة بخاصة، بيد أنه لم يكن «دمية» في أيديهم، بل قاد مشروع «امبريالية من الحجم المتوسط»، أو «إمبريالية إقليمية»، وهو قاد إيران صوب التحديث الصناعي و»التمدين» وتنويع مصادر الدخل و»العصر النووي» ... الانتقال من الثورة إلى الدولة في الحالة الجزائرية، يمكن أن يكون أصعب بكثير من الحالة الإيرانية، سيما وأن الجزائر خضعت لنمط خاص من الاستعمار المديد، استهدف ضمها وإلحاقها وتبديد هويتها القومية والدينية والثقافية واللغوية سواء بسواء.
ثمة بعد «ديني» أساسي مكوّن لخطاب كلتا الثورتين ... في الجزائر، الإسلام بطبعته السنية، كان جزءاً مكوناً من «الهوية الوطنية»، فلا تمييز بين عروبة الجزائر وإسلاميتها ... لكن البعد الوطني/القومي كان مهيمنا على خطاب الثورة الجزائرية وسياساتها وممارساتها، ولم تجعل من «إسلاميتها» مدخلاً لـ»تصدير الثورة»، دعم الجزائر لحركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا، ليس شكلاً من أشكال «تصدير» الثورة على الاطلاق، ولا يمكن وضعه في هذا السياق.
في إيران، نهض خطاب الثورة على «الإسلام بطبعته الشيعية»، وتحول الدين إلى محرك رئيس من محركاتها، وأساساً لتشكيل نظامها السياسي الخاص، نظام «ولاية الفقيه» ... والأهم من هذا وذاك، أنه شكل مدخلاً لشعار «تصدير الثورة»، واللعب على وتير «الأقليات» المذهبية، توطئة لمد النفوذ الإقليمي وامتلاك التوازن الاستراتيجي في الصراع مع عواصم ومحاور منافسة أخرى، تنتمي للأغلبية السنيّة في العالمين العربي والإسلامي ... مهمة إيران للانتقال بثورتها إلى ضفاف الدولة، تبدو أصعب بكل المعايير من مهمة الجزائر.
انتقال الجزائر من عصر الثورة وشرعيتها إلى عصر الدولة ومؤسساتها وقواعدها وقانونها، استغرق فترة طويلة من الوقت، من أسباب ذلك، العشرية السوداء وانتشار المد الأصولي وسنوات الركود البوتفليقي» ودور «المخزن» و»الجنرالات» ... من المبكر الحكم الآن، ما إذا كانت إيران ستحتاج إلى ستة عقود كما الجزائر لإنجاز هذا الانتقال، أكثر أم أقل، بيد أن من المؤكد أن الداخل الإيراني يبدو أكثر استعصاء على الانتقال، فيما ضغوط الخارج قد تعجل أو تستأجل المسار الانتقالي لإيران من الثورة إلى الدولة ... لكن المؤكد أن الإيرانيين، لديهم من الدروس الجزائرية، ما يكفي لتسريع هذا التحول، وإنجازه بقدر أقل من الكلف والتضحيات، إن توفرت الإرادة والدراية لفعل ذلك، فهل هم فاعلون؟

الدستور - السبت 6-4-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات