«الحصانة» مقابل «السيادة»
هذا العنوان ليس لي، فقد استعرته من مقالة لرئيس تحرير «هآرتس» ألوف بن، التي قرأ فيها بعض نتائج ودلالات الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الحادي والعشرين... و»الحصانة» التي تحدث عنها الكاتب، هي تلك التي بات بمقدور بنيامين نتنياهو انتزاعها من الكنيست، نظراً للأغلبية اليمينية المريحة، للإفلات من الملاحقة القضائية.... أما «السيادة» فهي تلك التي ستفرضها إسرائيل على مستوطناتها في الضفة الغربية... نتنياهو سيطلب الحصانة من أحزاب اليمين، والتي انضم إلى قوائمها الفائزة متأخراً، حزب اليمين الجديد (بينيت – شاكيد)، رافعاً عدد مقاعد معسكر اليمين إلى 66 مقعداً بدلاً من 65 مقعدا، مقابل التزامه – أي نتنياهو - بفرض «السيادة» الإسرائيلية على المستوطنات، وتعهده بعدم إخلاء أي مستوطن من أية بؤرة استيطانية.
الصفعة التالية التي ستوجهها إسرائيل للفلسطينيين هي ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، لا ندري إن كان ذلك سيتم دفعة واحدة أم على أكثر من دفعة، ودائماً بضوء أخضر وتنسيق (اقرأ تشجيع) من إدارة دونالد ترامب... قد يحدث ذلك سريعاً، وربما كأول قرار لحكومة اليمين واليمين المتطرف بعد تشكيلها الذي يستغرق رسمياً أربعة أسابيع، أو ستة على أبعد تقدير، وسط تقديرات بأنها قد لا تستغرق كل هذا الوقت.
قد يجري توقيت توجيه الصفعة التالية، مع الكشف عن صفقة القرن، وقد يتم ذلك قبلها أو بعدها بقليل، لا معلومات مؤكدة حتى الآن، لكن الشيء المؤكد، أن تل أبيب وواشنطن، وبعد أن فرغتا من «ابتلاع» القدس والجولان وتصفية قضية اللاجئين، ثنائياً على الأقل، تتجهان قريباً، بل قريباً جداً، لتكرس ابتلاع ما تم قضمه من الضفة الغربية... لقد مضى أسبوع أو أزيد قليلاً على إعلان نتنياهو نيته ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، من دون أن يصدر رد فعل رسمي أمريكي، ولو من باب «النصح» أو «العتب»، بل رأينا العكس تماماً، فقد سارع ترامب إلى إعلان فوز نتنياهو قبل الأخير نفسه، وتوجه إليه بالتهنئة ورأى أن الفرصة قد باتت سانحة لدفع مسار «صفقة القرن» إلى الأمام بوجود «بيبي»... التواطؤ الأمريكي في مشروع تصفية الحقوق الفلسطينية وابتلاع الحقوق العربية، لم يعد بحاجة لمن يظهّره، فهو فاقع إلى الحد الذي يصعب حجبه.
إسرائيل بدعم من واشنطن، ضربت عرض الحائط بنص وروح اتفاق أوسلو، ومن دون أن تجد حاجة لقول ذلك رسمياً، هي اكتفت بالأفعال فقط... في المقابل، لا يكف الفلسطينيون عن مناقشة الحاجة لإلغاء الاتفاق، أو اتخاذ القرارات على أرفع المستويات بهذا الصدد، أو التلويح بها... لكنهم بالأفعال، شديدو التقيّد بالاتفاق ومقتضياته... هذا الأمر، يجب أن ينتهي الآن، بل كان يجب أن ينتهي منذ زمن... لا أقل، من الانسحاب من شروط الاتفاق والتزاماته الثقيلة، بالأفعال قبل الأقوال، فما نحتاجه في هذا المضمار، هو كثير من الأفعال وقليل من الأقوال، ربما لا نكون بحاجة إلى الأقوال إطلاقاً، فلنفعل مثلما تفعل إسرائيل، لنعاملها بالمثل، هي من دمر الاتفاق من دون تصريح رسمي، وعلينا أن نهيل عليه التراب، ومن دون تصريح رسمي كذلك.
آن الأوان لقراءة تجربة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بعيون مختلفة وبطريقة مغايرة... إسرائيل اليوم، ليست «إسرائيل أوسلو»، ولن تعود، ربع قرن مضى جرت خلاله مياه كثيرة في نهر الأردن... لا ينبغي أن يظل الجدال قائماً حول صحة أو خطأ السير على ذاك الطريق، المهم أين نتجه من هنا؟... المهم أن تتبلور القناعة بأن ما يٌعتقد أنه «خطأ تاريخي» قارفه الفلسطينيون قبل خمسة وعشرين عاما، لا يجوز أن يظل قائماً وممسكاً برقابنا، لا يجوز أن يستمروا بارتكابه، بعد أن باتت مآلات هذا الطريق، بل والبرنامج المرحلي برمته، واضحة لكل أعمى وبصير، بل ولأشد المتحمسين لهذا المسار والخيار... اللعبة انتهت، ولا بد من وضع قواعد جديدة، للعبة جديدة.
الدستور - السبت 13-4-2019