عصا البشير السحرية تتكسر
اسدلت الستارة على حكم الرئیس السوداني عمر البشیر اخیرا، بعدما حكم بلاده بالعصا التي بقي یلوح بھا لشعبھ متوعدا ومھددا على مدى ثلاثة عقود من التلون السیاسي والانقلاب على الحلفاء والاصدقاء والشركاء والحروب الأھلیة والمجاعات والانفصال. نھایة ایضا جاءت بانقلاب عسكري لا یبدو انھ سیأتي بأخبار سارة حیث أعلن المجلس العسكري الذي شكلھ وزیر الدفاع عن اعتقال الرئیس وتشكیل مجلس عسكري لمدة عامین، وھذه المدة الطویلة لا تدعو إلى التفاؤل فقد ضحك الانقلابیون من العسكر والعقائدیون والایدیولوجیون العرب كثیرا على ذقون الشعوب باحجیة الفترة الانتقالیة التي لا تنتھي ولا دور فعلیا لھا الا تھیئة الظروف لانتقال الزعیم الانتقالي إلى زعیم فعلي ثم إلى زعیم مؤبد مدى الحیاة. الموجة الثالثة من الربیع العربي تأتي ناعمة ھذه المرة حركات احتجاجیة واسعة شبھ سلمیة، وانظمة عتیدة ومدججة بالقوة والاوھام تتھاوى بسرعة وتخرج من المشھد كما حدث في الجزائر والسودان. بعد موجتین من التحولات العربیة القاسیة التي دفعت خلالھا الشعوب العربیة اثمانا باھظة للدیمقراطیة والتغییر دون جدوى. في اقل من أسبوع اسقط الشباب العربي الغاضب والمحبط زعیمین ھما من اوتاد النظم التقلیدیة في العالم العربي، ما یؤكد أن الأسباب والجذور الأولى للربیع العربي في مطلع ھذا العقد ما زالت مستمرة بالفعل، وان الشباب العربي الذي ثار في ساحات تونس ومیدان التحریر مستمر في اشتباكھ التاریخي مع الاستبداد والفساد، لكن وحسب ما تتوقع العدید من الدراسات فأن موجات اخرى من الاحتجاجات الشبابیة في البلدان العربیة سیكون دافعھا الحقیقي البطالة وقسوة الظروف الاقتصادیة، وانعدام الفرص أمام الشباب مع استمرار الاحباط والیأس مع عجز الانظمة السیاسیة عن ایجاد الحلول والبدائل أو تقدیم ابتكارات اجتماعیة – اقتصادیة تستوعب
صحیح ان النخب السیاسیة والعسكریة التي حكمت الخرطوم على مدى خمسة عقود فشلت في الدرس الأول في صناعة الاستقلال وھو فتح الطریق أمام الاندماج الاجتماعي والتكامل السیاسي مع الدولة أي بناء دولة لكل مواطنیھا وانتھى المشھد بانفصال الجنوب في 2011 وقبلھا سلسلة حروب ومجاعات طویلة، إلا أن تأثیر العقود الثلاثة الأخیرة أقسى في العدید من الجوانب وأكثر تعقیدا من المنظورین السیاسي والاستراتیجي. برز البشیر حینما قاد انقلاب الضباط الإسلامیین المنتمین الى الحركة الإسلامیة (الاخوان المسلمین) على حكومة منتخبة دیمقراطیا ثم انقلب ھو بدوره أكثر من مرة على اخوانھ، ومنع الأحزاب وعطل الدستور، وأصدر قانونا خطیرا سمي (قانون النظام العام) الذي استعاده من حقبة الرئیس جعفر نمیري سیئ السمعة وتحت ذریعة تطبیق الشریعة الغى السمات المدنیة للدولة السودانیة، وانشأ ما سمي (شرطة النظام العام) وتتمتع ھذه الشرطة بصلاحیات اطلاق النار لمجرد خروج فتاة بلباس قد یوصف بانھ غیر لائق حیث ارتكبت ھذه الشرطة العدید من الجرائم البشعة وتحدیدا بحق النساء في بلد متعدد الادیان والعرقیات والثقافات. مثل البشیر صورة مختصرة للجیل الثاني من الزعماء العرب في عھد ما یسمى الدولة الوطنیة بعد الاستقلال وحمل كل مثالب الجیل الأول بسلوكھ الانقلابي ومصائب الجیل الثالث مرة بالاستبداد واخرى بارتداء عباءة الدین للاستمرار والاستفراد بالسلطة حیث تختصر عصا البشیر قصتھ ومعھ جیل من الزعماء العرب فلطالما لوح بھا مرات عدیدة للتھدید والوعید والنیل من خصومھ السیاسیین ومرات لتھدید شعبھ المحتج بان مصیره بدونھ إلى شعب من اللاجئین، ومرة اخرى یرقص بعصاه السحریة فرحا بنتائج انتخابات مزورة. لا تبدو في الافق حلول قادمة، فما تزال صنادیق الانتخابات العربیة لا تأتي بالجدید، ثمة دورة تاریخیة من الصراع الاجتماعي وصراع الداخل مع الداخل وصراع الداخل مع الخارج الذي قد یأخذ على اقل تقدیر ربع قرن حتى یتمكن الشباب العربي المحبط المنتشر في الشوارع من صنادیق الانتخاب ویتمكن من مسك مفاتیح الحل.
الغد - الجمعة 12-4-2019