«صفقة القرن» مشروع للهيمنة الجيوسياسية
في مقابلته على شبكة فوكس نيوز الاسبوع الماضي، نفى صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنر ان تكون صفقة القرن اقتصادية؛ فهي تتخذ مسارين: اقتصادي وسياسي مرتبطان ارتباطا وثيقا؛ تصريح يؤكد طبيعة الاطماع الجيوسياسية الاسرائيلية في المنطقة العربية للهيمنة الاقتصادية والجغرافية على دول الجوار ومن ضمنها الاردن والدول السائرة على درب التطبيع مع الكيان الاسرائيلي والمتحمسة للعلاقة معه دون مبرر مقبول شعبيا وثقافيا او حضاريا.
صفقة القرن مشروع للهيمنة الجيوسياسية وتهديد وجودي لدول الجوار وليست مجرد فزاعة ومشروع اقتصادي كما يروج البعض، تحاول من خلالها الولايات المتحدة تكريس مكانة حليفها الاسرائيلي في المنطقة على حساب وجود دول الجوار ومكانتها بل وعلى حساب الهوية الحضارية للمنطقة لتتحول الى هوية صهيونية مهيمنة بذلك على الجغرافيا والاقتصاد والموارد السياسية المتوفرة فيها.
خطورة الصفقة كامنة في مشروع الهيمنة القابع وفي قلبها غير مقتصرة على مجرد السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فالكيان الاسرائيلي يرغب بتحويل المنطقة العربية المحيطة بأكملها الى ضفة غربية او قطاع محاصر وتنسيق امني، مفقدا الدول هويتها وغاية وجودها؛ منطقة نفوذ باختيار وإرادة الدول المنخرطة في الصفقة والمدافعة عنها فيما يشبه الردة الحضارية والثقافية.
ضخامة المشروع وخطورته رفعت من حدة التعبئة والاحتشاد ضده في المنطقة العربية وباءت كل محاولات الترويج له في المنطقة بالفشل واعادة تشكيل الاصطفافات السياسية ومن الممكن ان تؤثر على المحاور والتحالفات ايضا؛ فرغم الاغراءات الاقتصادية التي يتحدث عنها كوشنر وغرينبلات، فإن المنطقة العربية باتت على موعد مع مواجهة شاملة تمتد الى العالم الاسلامي الذي بات يترقب الصفقة ويحتشد لمواجهتها باعتبارها تهديدا يمس هويته الحضارية ووجوده.
فالصفقة تحمل بعدا ثقافيا يمس مقدسات ملياري مسلم في العالم وليست فقط هيمنة جيوسياسية على المنطقة العربية؛ ما دفع كوشنير الى تبرير البعد الثقافي والحضاري للصفقة بمبرر ساذج وسطحي بالقول «واشنطن لا تتخذ قراراتها بناءً على جهود السلام فقط، فقراراتنا تُتخذ بناءً على ما هو في مصلحة الولايات المتحدة، كما فعلنا في مسألة مرتفعات الجولان، والاعتراف بالقدس عاصمة تاريخية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس»، لينطبق عليه المثل «جاء يكحلها عور عينها»؛ تبرير على درجة عالية من السطحية ومحاولة الهروب من الاستحقاقات الثقافية والازمة التي سيفجرها الاعلان عن الصفقة والتداعيات المترتبة عليها والتي تمس النفوذ الامريكي في المنطقة والعالم الاسلامي وتضر بالمصالح الامريكية التي تتجاوز الحملات الانتخابية الداخلية ومؤتمر الايباك وتحقيقات مولر وعلاقات المصاهرة وهي المصالح الفعلية للادراة الامريكية المتهورة.
أبعاد حضارية يحاول كوشنر تجنبها فهي تضغط بقوة على أعصابه وهيئته الباردة وتدفعه وتدفع الادارة الامريكية الى تأجيل موعد الصفقة اكثر من مرة خشية من ردود فعل كبيرة تتجاوز الاراضي الفلسطينية والعالم العربي نحو العالم الاسلامي ايضا؛ فهو يرغب بتجنب الاعلان عنها في شهر رمضان بحجة انتظار تشكيل الحكومة الاسرائيلية، ومن الممكن ان يؤجلها الى ما بعد موسم الحج وعيد الاضحى لتتوالى عمليات التأجيل على الارجح.
صفقة القرن وموعد اعلانها تحول من شعار انتخابي لترمب وطاقم ادارته الى كابوس يلاحقهم في كل مكان؛ فاليمين الامريكي الانجيلي المتطرف ينتظر نقلة نوعية تكرس الهيمنة الصهيونية على الاراضي الفلسطينية والمنطقة، في حين يخضع العالم الاسلامي والعربي لتعبئة وحشد فالخطاب غير المسبوق ضد السياسة الامريكية وما تمثلها في المنطقة من تهديد امني واقتصادي وثقافي حضاري.
الصفقة باتت كابوسا حقيقيا دفع غرينبلات الى التغريد عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الجمعة الفائتة بالقول: «سمعت تقارير عن أن خطتنا تشمل تصورا بأننا سنقدم جزءا من سيناء إلى غزة. هذا كذب».
تصريحات تعكس قدرا كبيرا من التوتر والارتباك لا يختلف عن التوتر والارتباك الذي عكسته تصريحات كوشنر عن القدس والدوافع التي تقف خلف إلحاقها بالسيادة الاسرائيلية؛ فالسطحية وانعدام الخبرة واضحة في الاداء السياسي والاعلامي للإدارة الامريكية بل وفي التحالفات والقوى التي تعول عليها امريكياً لتمرير حلها التاريخي المدمر للنفوذ الامريكي في المنطقة.
الجميع ينتظر لحظة الاعلان الامريكي بفارغ الصبر لعلها تكون نقطة البداية لتحول كبير في المنطقة على عكس مراد امريكا واسرائيل؛ امر من الممكن ان يسعد روسيا والصين ايضا فتقويض النفوذ الامريكي حدث عالمي مرحب به روسياً وصينياً على الارجح.
السبيل - الأحد 21-4-2019