الإخوان.. ما الذي ينتظرهم؟
حركة الإخوان المسلمین التي ولدت في النصف الاول من القرن العشرین في مصر وانتشرت في أرجاء العالم الإسلامي كانت حركة دعویة تسعى إلى اصلاح الفرد لكي یصلح المجتمع، وقد لقیت قبولا لدى شرائح واسعة باعتبارھا تدعو للتكافل وتبشر بالعدالة وتستخدم لغة یفھمھا المسلم لرسم الصورة المثالیة للمجتمع الإسلامي الذي یخرج الناس من الضیق واللامساواة وتجد من المساجد منابر یمكن توظیفھا للدعوة والانتشار. عبر تاریخھا الطویل نسبیا كانت العلاقة بین الاخوان والأنظمة السیاسیة العربیة موضعا للمد والجزر. تارة یسودھا الدفء والود وأخرى ینتابھا الشك والتوتر الذي سرعان ما یحولھا إلى جفاء وقطیعة. في حالات كثیرة اتسمت العلاقة التي تولدت بین الاخوان وقیادات الانظمة العربیة بالریبة وغیاب الثقة والاطمئنان، وفي حالات أخرى شھدت العلاقة ما یشبھ الھدنة أو الخلاف الصامت. على امتداد الفضاء الإسلامي كانت التجربة الإخوانیة غنیة ومتنوعة فیھا القلیل من الإنجاز والكثیر من الإخفاقات. في حالات معدودة ظھر في الأجواء ما یمكن اعتباره شكلا من أشكال التعایش المؤقت حیث استغل القادة العسكریون الشعارات التي تطرحھا الجماعة لاستقطاب الرضا الشعبي كما حصل في السودان إلا أن ھذا التقارب بقي تكتیكیا وغیر قابل للدیمومة أو الاستمرار. في مصر وتونس والیمن والصومال ولیبیا أدى الالتزام بفكر الجماعة ونھجھا إلى إثارة قلق الشركاء المحتملین وتولد الانطباع بوجود أجندة خفیة یمكن أن تدفع بأصحابھا للانقلاب على أي تحالف أو تفاھم على مشاركة السلطة أو الاندماج مع حلفاء آخرین، ما دفع بالشركاء إلى استبعادھم وشیطنتھم كما حصل في مصر أو وضعھم تحت التجربة والاختبار تمھیدا لإدانتھم كما حصل في تونس والمغرب والجزائر. في حالات عدیدة أدت عوامل الضغط والتضییق السیاسي والأمني على الجماعة واقتران ذلك
بتزمت القیادات والإصرار على الالتزام بحرفیة الاطروحات التي قدمھا حسن البنا وسید قطب قبل عشرات السنین أو رفض تبني تكتیكات ووسائل تكیف مناسبة إلى تشظي الجماعة وانشقاق أصحاب الأفكار والاجتھادات لیؤسسوا ھیاكل أخرى تحت مسمیات إسلامیة كما حصل في الأردن حیث جرى انشطار كل من الوسط الإسلامي وزمزم والجماعة المرخصة عن الجماعة الأم في فترة قیاسیة. الیوم وبعد المعاداة العلنیة للاخوان من قبل الانظمة العربیة الاكثر ثراء واستدخال الأمة لتشریعات مكافحة الارھاب وتنامي تأثیر الصھیونیة العالمیة على القرارات التي یتخذھا البیت الأبیض ووجود تنسیق للتحالف الإقلیمي الجدید في المنطقة وقرب الاعلان عن صفقة القرن والحاجة الأمیركیة الصھیونیة إلى الحد من تأثیرھا على الشارع العربي الاسلامي من خلال تجریمھا وشیطنتھا تواجھ جماعة الاخوان المسلمین خطر إدراجھا على قائمة الجماعات الارھابیة. القرار الامیركي المحتمل یأتي تلبیة لرغبة مشتركة لاسرائیل ومجموعة الدول العربیة المعادیة للاخوان المسلمین واستكمالا لاستئصال كافة عناصر المقاومة والرفض للسیاسات الامیركیة الصھیونیة في المنطقة. في ذھن متخذ القرار أن الجماعة التي تأسست قبل أن تستقل معظم الكیانات العربیة ستواجھ أزمة مصیریة جدیدة تؤثر على وجودھا ونشاطاتھا وعلاقاتھا في المنطقة والعالم. ما قد لا یكون في حسابات الرئیس الامیركي مع انھ لا یخفى على مؤسسات الرصد والمتابعة والتقییم أن القرار وتوقیتھ قد یكسبان الجماعة تعاطفا ومكانة أوسع في العالم الاسلامي وعلى امتداد خریطة العالم. فالشعوب الاسلامیة ومحبو السلام یدركون جیدا اھمیة الوقوف في وجھ التعنت الرئاسي الامیركي والرغبات التوسعیة لكیان الاحتلال والمقاومة لذلك التعنت سیاسیا وتعبویا فعل مشروع والتواطؤ الذي قد یقوم بھ البعض لا ولن یمثل الرأي ولا الضمیر العربي. واخیرا فإن اتخاذ مثل ھذا القرار لا یلغي وجود ھذه الجماعة ولن یحد من حضورھا ونشاطھا في العالم الاسلامي والمجتمعات غیر المسلمة فالانتماء لتنظیم الجماعة لا یحتاج لتعلم فكر وأیدیولوجیة غریبة والكثیر من الطقوس والافكار والمبادئ والمواقف یتبناھا الناس ویمارسونھا في حیاتھم الیومیة دون عناء أو حاجة لإشھار.
الغد - الخميس 2-5-2019