«الصفقة».. بين وهم البقاء ويقين العودة
يريدنا السيد جيسون جرينبلات ألاّ نعتبر المستوطنات الاسرائيلية عائقاً أمام السلام، وخلال ترويجه لما يسمّى بـ«صفقة القرن» يقول: «دعونا نتوقف عن التظاهر بأن المستوطنات هي ما يمنع الجانبين (الإسرائيلي والفلسطيني) من التوصل لحل سلمي قائم على التفاوض. هذه المهزلة والتركيز بهوس على جانب واحد من هذا الصراع المعقد لا يساعد أحدا». جرينبلات هو المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، والمسؤول رسمياً عن «تبليعنا» الصفقة، مع أنّ القائم عليها هو جاريد كوشنر صهر الرئيس، ونتوقّف أمام كلمة «هوس» التي تعني أنّ الفلسطينيين والعرب مهووسون وواهمون، وأنّ المستوطنات باقية، وقبل ذلك كان الأميركيون يواصلون الإعلان عن وهم العودة الذي يعيش معه الفلسطينيون! في تقديرنا أنّ قناعة الفلسطينيين في كافة أرجاء الأرض بالعودة إلى بلادهم يوماً ما، أرسخ بكثير من قناعة الإسرائيليين بالبقاء هم أو أولادهم أو أحفادهم، وهذه هي كلمة السرّ التي تتأسس عليها القضية الفلسطينية، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة الآنية، وموازين القُوى التي لا تبقى على حالها، وتتغيّر يوماً بعد يوم. موازين القوّة المادية لا تذهب لصالح الفلسطينيين حالياً، ولكنّ الفلسطيني الذي خرج لاجئاً قبل إحدى وسبعين سنة، ونازحاً قبل إثنين وخمسين عاماً، صار رقماً موجودا
في المعادلة الدولية، وهو جزء من شعب تعداده يتجاوز الخمسة وعشرين مليوناً بحسب طلال ابو غزالة، وصحيح أنّه يتناثر في أرجاء الكرة الأرضية، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ العودة إلى فلسطين هي الخبز اليومي الذي يطعمه الرجل لأولاده. أربع عشرة دولة صوتت أمس الأول في مجلس الأمن ضدّ الاستيطان، ووحدها واشنطن رفضت، وفي يقيننا أنّ منحنى المشروع الإسرائيلي بالمعنى التاريخي في هبوط دائم، أمّا الفلسطيني ففي صعود، ولهذا فالمسؤولون الأميركيون هم الذين يعيشون في وهم الإدراك والفهم، تماماً كما يعيش الإسرائيليون وهم البقاء، وتماماً كما يعيش الفلسطينيون حقيقة العودة التي ستأتي في يوم ما.
الرأي - الأحد - 2019-05-12