التعديل الوزاري والصداع الشعبي
عند كل تشكيل وزاري أو تعديل تثور عاصفة لا تنتهي من التحليلات والجدال السياسي بين السياسيين وغير السياسيين، وهناك حجم من التعليقات الغاضبة التي أصبح منسوبها أكبر بكثير من حقب زمنية سابقة، ونما في أوساط الشعب الأردني ظاهرة السخرية والتهكم والتعليقات المسيئة أحياناً التي تخرج عن معهود الأردنيين.
أصل المشكلة أن التشكيلات الوزارية والتعديلات التي تتبعها عادة، واختيار الوزراء واستبدالهم ليس خاضعاً لمعايير محددة ولا مقاييس منضبطة، حتى يتم مناقشتها بطريقة علمية وبمنهجية موضوعية، ولذلك تبقى المسألة في حدود الآراء الشخصية والمزاجية الانطباعية، وربما أحياناً يدخل في السياق المعلومات الفردية الضيقة.
والمسألة الأخرى أنه لا يتم إعلام الجمهور لماذا تم اختيار فلان وليس علان، ولماذا تم إخراجه واستبداله بآخر خلال مدة قصيرة، فالشعب لا يدري لماذا جاء هذا الوزير في هذا الوقت ولماذا خرج، فليس هناك قدر من الشفافية الذي يمكن الناس من المناقشة والحوار وإبداء الرأي بطريقة هادئة، و يتم الاعتماد غالباً على الإشاعات والتسريبات التي لا يدري الناس مقدار حصتها من الحقيقة ومقدار اقترابها من الدقة، وفي الوقت نفسه لا تعتبر الحكومة نفسها أنها معنية بالرد على أسئلة الجمهور وليست معنية بالتوضيح وليست ملزمة بذلك.
قصة تشكيل الحكومات واختيار الوزراء أشبه ما تكون باللغز الذي يستعصي على فهم العامة، والغريب في الأمر أن هذا الأمر المتكرر في كل مرة يتم التعامل معه بالطريقة السابقة التي ما عادت مقنعة للأجيال الجديدة، ولا تصل إلى الحد المنطقي الذي يبشر بحل مقنع في المستقبل القريب، فلم يجر أي خطوة عمليّة منهجية في هذا السياق الذي يعد جذر المشكلة وأصلها وأساسها وجوهرها، وهي تكاد تكون جوهر مشكلة الشعوب العربية كلها من المحيط إلى الخليج، وكل ما نشاهده من آثار وإشكالات على مختلف الأصعدة وفي كل المستويات إنما هو متفرع عن هذا الجذر.
فما هو الحل؟ كما يتساءل أغلب المهتمين في الشأن الوطني العام وكل من يتعاطى السياسة؟
الحل يكمن في العودة إلى جذر المشكلة وأصلها؛ بأن يصبح تشكيل الحكومات واختيار الوزراء قائماً على منهجية تحترم إرادة الشعب، والإرادة الشعبية لا طريق للافصاح عنها إلّا عبر الانتخابات العامة التي تظهر في صناديق الاقتراع، بمعنى أن تكون الحكومة فرزاً انتخابياً من خلال البرلمان الذي يمثل القاعدة الشعبية العريضة كل عدة سنوات، بما تم التعارف عليه (بالحكومة البرلمانية)، وهذا هو المعمول به لدى معظم دول العالم الديمقراطي.
الحكومة البرلمانية تتبلور عبر تنافس بين أصحاب البرامج، وبين الكتل السياسية التي تحظى بتمثيل شعبي يؤهلها للمشاركة في الحكومة، وهنا يجدر التنبه أن أصحاب البرامج ليسوا أفراداً معزولين، وأشخاصاً متناثرين، ولا عشائر ولا تجمعات جهوية مختلفة، فالبرامج السياسية لا تأتي إلّا من خلال أطر سياسية محددة ومنظمة ومعروفة ومعلنة، يقودها فريق متكامل يملك رؤية واضحة لإدارة الدولة بشمول.
وفي هذا السياق قال جلالة الملك كلمته في الأوراق النقاشية، وهذا يكفي، فليس أمام الحكومات والمؤسسات الرسمية ومختلف الأجهزة إلّا الشروع بوضع الخطوات العملية المبرمجة التي توصل إلى تحقيق هذا الهدف، ولكن الشعب الأردني وكل القوى السياسية لا يلحظون أي خطوة عملية للسير نحو هذا الهدف، بل يشعرون بالعكس تماماً.
إن بقاء تشكيل الحكومات وتعديلها خاضع للنخب وأصحاب الأجندات وجماعات المصالح والشلل والصداقات الشخصية والصالونات غير الرسمية التي لا تحظى بالتمثيل الشرعي : سوف يعمل على بقاء الأزمة واستفحالها، وسوف يعمل على تفجيرها بطريقة غير محسوبة وغير قابلة للتنبؤ، كما أن تكرار الوصفات القديمة بالطريقة التقليدية نفسها، والعودة إلى طريقة التوظيف والاستثمار والانتقال من فئة إلى فئة، سوف يؤدي إلى تراكم الأخطاء وتأبيد الأزمة القابلة للانفجار في أي وقت.
الدستور- الاثنين 13 أيار / مايو 2019.