هل نريد الاستمرار مع صندوق النقد؟
بنھایة شھر حزیران المقبل سیراجع صندوق النقد الأداء المالي للموازنة، وبعدھا بثلاثة أشھر ھناك مراجعة ثالثة، ثم في نھایة العام، تكون الترتیبات مع صندوق النقد قد شارفت على نھایتھا، والسؤال الذي یجب الاستعداد لھ، ھل یستمر الأردن مع صندوق النقد في المراحل اللاحقة، ام أن على الأردن تطویر برنامج داخلي، یوصف في بعض الأحیان بـ“الوطني“، وما بین ھذین الخیارین یجب ان نقرر، وھناك بطبیعة الحال عدة صیغ لاستمرار العلاقة مع الصندوق والتي لن تنقطع، ولكن درجة تداخل برنامج الصندوق والمؤشرات التي یراقبھا للحكم على نجاح او فشل البرنامج، والالتزامات المالیة التي تترتب على ذلك وطبیعة الإجراءات الاقتصادیة والمالیة ھي التي تتغیر. وللإجابة على التساؤل أعلاه، لا ارید اللجوء الى احكام مسبقة تنطلق من آراء مسبقة أیضا حول دور الصندوق في الأردن ودول أخرى، فھناك من یرى في الصندوق مؤسسة دولیة لا ترید الخیر للدول التي تعمل فیھا، وھي أداة للضغط على الشعوب من خلال حكوماتھا لتحقیق اھداف في العادة غیر معلنة، وأبناء ھذه المدرسة غالبیة یقترحون حلولا بعیدة عن الواقع وتدغدغ المشاعر، لا سیما وأن معظم وصفات الصندوق تتشدد في الجانب المالي وتحد من شھیة التوسع في الانفاق العام. والمدرسة الثانیة ترى أن برنامج الصندوق یوفر إطارا متعدد السنوات لضبط الانفاق العام، وتتضمن سیاسات واضحة المعالم، وإجراءات محددة وتواریخ مضبوطة ویمكن الحكم في نھایتھا على النجاح او الفشل في تحقیق الأھداف التي تتضمنھا البرامج، اما الجوانب الأخرى التي لا ترد في برامج الإصلاح المالي مثل الكفاءة الانتاجیة والتعلیم والاستثمار وسیاسات العمل، فھي من مھمات حكومات الدول التي تتعامل مع الصندوق وھي التي تقرر وتیرة الإصلاح فیھا طالما ان الاطار المالي والعجز في الموازنة والذي یترجم عادة في ارتفاع المدیونیة مضبوط.
والمعضلة ان الضبط المالي أحیانا، والارتفاع في الضرائب والاطار الزمني الضیق لاتخاذ الاجراءات اللازمة، یحد من وتیرة الإصلاح المنشود في قطاعات أخرى، وینعكس سلبا أحیانا حتى على القطاع الخاص ونشاطھ، فیصبح اثر الإصلاح المالي سلبیا، ویدخلنا في دوامة من التباطؤ الاقتصادي ومعدلات النمو التي لا تحسن من مستوى المعیشة، ومن ھنا تكتسب حجة المعسكر الأول المنادي بضورة تبني سیاسات محلیة مصداقیة أكبر، وھكذا یستمر الجدل. وللحكم این یتجھ الأردن، لا بد من مراجعة حصیلة تجربة الأردن على مدى ربع قرن تقریبا، منذ مطلع التسعینیات، عندما بدأ بتبني إجراءات اصلاح مع صندوق النقد والمؤسسات الدولیة، في بدایة تنفیذ تلك البرامج، كان دائما ھناك رد فعل سلبي من الشارع على تلك الاجراءات، ولكن في نھایة كل برنامج كان الاطار العام للاقتصاد یصبح أكثر صلابة، والموازنة في وضع افضل، وعندما كنا نتخلى عن الشراكة العمیقة مع تلك المؤسسات، وبالنظر الى الضغط الكبیر الذي تتعرض لھ المالیة العامة، كان وضع العجز یزداد سوءا، وكنا نضطر الى اللجوء الى الصندوق لإخراج الأردن من ازمتھ المالیة من خلال تبني برنامج جدید، ببساطة ضبط الانفاق العام، الذي ھو المفتاح الرئیسي للاستقرار، كان یختل في غیاب رقابة الصندوق، ولأن الحكومات المتعاقبة كانت تفضل توسیع العجز لصالح مكاسب سیاسیة واجتماعیة آنیة، ولا یوجد ما یضمن ان لا یتكرر ھذا السیناریو العام المقبل، إذا قرر الأردن المضي لوحده. وھذا لا ینتقص من أھمیة إجراءات تحفیز النمو، ولكن ضمن اطار مالي واضح حتى نتجنب تكرار ذات السیناریو.
الغد - الأحد 13-5-2019