مادونا..«الفلسطينية»!.
لم يكن في ذهن منظمي مسابقة الأغنية الأوروبية يوروفيجن التي أقيمت مؤخراً في تل أبيب أن توجه المغنية الأميركية مادونا، نعم مادونا، صفعة لاسرائيل في عقر دارها وعلى الهواء مباشرة، ولتقدم بها اكبر خدمة للقضية الفلسطينية. كما لم يكن في ذهنهم أن تلوح فرقة هاتاري الآيسلندية المشاركة بالحفل بالاعلام الفلسطينية ويرفع مغنوها شارة النصر لفلسطين.
ففيما كان عشرات الملايين في العالم يتابعون النسخة الرابعة والستين للمسابقة أظهرت الكاميرات الناقلة للحفل ارتداء إحدى الراقصات لعلم فلسطين خلال العرض الغنائي للمغنية الأمريكية الشهيرة مادونا التي كانت تعرضت لانتقادات دولية عديدة لمشاركتها بالحفل السنوي الذي يقام في إسرائيل للمرة الأولى إلا أنها واجهت الأمر بتوجيه رسالة عما وصفته التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وظهر علم فلسطين على ظهر الراقصة بجانب علم إسرائيل على ظهر راقص ممسك بذراعها وهو ما لم يكن متفقاَ عليه أثناء بروفات الاستعداد للحفل وتم دون علم منظمي المسابقة؛ ما صدم منظمي المسابقة الذين سارعوا لاصدار بيان أعلنوا فيه أن «تلك الفقرة لم تكن جزءاً من بروفات العرض التي وافق عليها كل من وحدة الإذاعة الأوروبية وهيئة البث الرسمي الإسرائيلي «كان»، ونوهوا إلى أن مسابقة أغاني يوروفيجن غير مسيسة وتم إبلاغ مادونا بذلك».
قوبل العرض بالكثير من الاستهجان داخل إسرائيل وخارجها وخاصة بعدما ظهرت راقصة أخرى مرتدية لما يبدو وكأنه قناع الحماية من الغاز مرصعاً بالورود،خاصة أن الملياردير الكندي-الإسرائيلي سيلفان آدامز الذي تكفل بجلب مادونا و100 من فريق عملها وراقصيها إلى الحفل على أمل أن يساهم وجودها في تحسين صورة إسرائيل كمنظم للمسابقة.
وكانت مادونا تعرضت لحملة انتقادات عنيفة بسبب اعلانها عزمها المشاركة في الحفل بسبب أنه يقام في اسرائيل التي تحتل الارض الفلسطينية، وانتقدها الفنان والموسيقي البريطاني، بوبي غيليسبي وسط نشاط حقوقي تقوده حملة المقاطعة العالمية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي «BDS» قائلاً إنها «... تفعل أي شيء مقابل المال»، مشيرا الى ذهابها إلى تل أبيب للمشاركة في المسابقة رغم كل النداءات الحقوقية بمقاطعة «يوروفيجن».
لكن مادونا شرحت في بيان سبب قرارها المشاركة وقالت إنها ستتحدث دوما بصوت عال للدفاع عن حقوق الإنسان وانها تأمل في رؤية «مسار جديد نحو السلام». وأضافت «لن أتوقف عن الغناء كي أتوافق مع الأجندة السياسية لشخص ما ولن اتوقف عن الحديث صراحة ضد انتهاكات حقوق الإنسان أينما وجدت بأي مكان في العالم».
وبالفعل فعلت ما دونا ما لم يستطع فعله اعلام يصرف عليه الملايين، فقد بهتت صورة « الحمل الوديع بين قطيع من الذئاب»التي رسختها اسرائيل في أذهان الراي العام العالمي، فحصلت على الدعم السياسي والعسكري اللامحدود من الدول وبخاصة بريطانيا وفرنسا ولاحقاً الولايات المتحدة الاميركية.
عدة عوامل ادت الى تغيير الصورة المزيفة التي رسمتها اسرائيل لنفسها في العالم منها، ومن حيث لا يدرون، العرب أنفسهم الذين من موقف ضعف، اعترفوا باسرائيل وعقدوا معها اتفاقيات سلام وهو ما قابلته تل ابيب بمزيد من القتل والتعذيب للفلسطينيين، وانشاء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ومؤخراً ضم القدس الشرقية واعتبار المدينة المقدسة، بمباركة ترامب، عاصمة ابدية، ثم ضم الجولان السوري المحتل، فمن شعار « الارض مقابل السلام « الى « السلام –بدون أرض- مقابل السلام، الى حالياً، السلام مقابل الاستسلام !
العامل الاخر، الانجازات الكبيرة التي حققتها حركة «بي دي أس» العالمية المناهضة لإسرائيل والقائمة على ثلاث ركائز هي المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، في أوروبا وأميركا وفي داخل اسرائيل نفسها، وآخر نشاطاتها الحملة التي قامت بها ضد اقامة حفل الاغنية الاوروبية في تل ابيب وذلك في إطار الحملة الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «إسرائيل تقدم مساعدات مالية للمنظمات الدولية العاملة ضد حركة المقاطعة العالمية «بي دي أس» من خلال وزارة الشؤون الاستراتيجية التي قدمت مبالغ بقيمة 5.7 مليون شيكل لتنظم فعاليات وأنشطة لصالح إسرائيل، وحملات إعلامية عبر شبكات التواصل، وطالما أنها المرة الأولى التي تقدم فيها إسرائيل مساعدات مالية، فإن الأمر يحتاج فحصا قضائيا».
على أية حال، الطريق طويل لكن الكذبة المسماة «اسرائيل» بدأت تتكشف للعالم الذي سيقول للاسرائيليين كما ردت عميدة صحفيي البيت الابيض هيلين توماس قبل وفاتها على سؤال : ما الحل ؟ بقولها : أن يعود الاسرائيليون الى بلادهم التي أتوا منها الى فلسطين.
الدستور -