في ذكرى الاستقلال.. حركة جوهرها (الثبات على المبادئ)
هذا البلد هو بحجم الورد، ذو سياسة ودبلوماسية رقيقة تبدو وكأنها طيعة وتقبل بالمتاح، مع أنها في جوهرها مثل ذراع حديدية لكنه ملفوف بالحرير... من يرصد أداء الدولة الاردنية منذ التأسيس الأول «الإمارة» والتأسيس الثاني «المملكة»، لابد وأن يقف على حقيقة ميزت هذا الأداء.. حقيقة التمسك بالمبادئ والثوابت، ولكن بإسلوب مرن يحول بين هذه الدولة و إمكانية الانكسار. فالأردن المبكر ككيان، تصرف بواقعية تقوم على معرفة دقيقة بموازين القوى، على اعتبار أن الأمة التي تريد أن تنجز حقاً، لابد أن يكون لأقوالها وشعاراتها، قوة كفيلة بتحويل تلك الأقوال والشعارات إلى حقائق على أرض الواقع. من هنا سلك الأردن سياسة التعامل بإيجابية مع ما هو مطروح عليه وعلى الأمة، هذا دون أن يغفل عن إمكانية توظيف ذلك المطروح، كمحطة إيجابية نحو تحقيق المبادئ والأهداف الكبرى.. من هنا كان قياسه دقيقاً لمدى صلابة الأرض التي يقف عليها العرب حين تعاملوا مع القضية الفلسطينية منذ نشأتها، والتي بدأت بالتهديد الصهيوني لفلسطين. فطرح الأردن مشروع حكم ذاتي لليهود في إطار الدولة العربية الواحدة، و فيما بعد
كان ناشد القوى الفلسطينية أن تقرأ بدقة قرار التقسيم وأن تنظر إليه بعين ثاقبة، وأن تضعه في سياق الحالة العربية التي كانت سائدة. وأن يتم البناء على القاعدة الدبلوماسية الشهيرة التي أطلقها فيصل الأول «أن خذ وطالب». وذلك لمعرفته بأن قوة العرب والتي لا زالت دولهم أنذاك تحت نير الانتداب والاستعمار، قوة غير مؤهلة لأن ترفض وأن تطالب بكل شيء، فالأردن كان يعي أن طلب كل شيء آنذاك معناه خسارة كل شيء... وهذا ما كان. ومع ذلك فحين كانت ساعة المواجهة والسعي لتحقيق المبادئ، المتلخصة بتحرير التراب الفلسطيني كاملاً، لم يتردد الاردن أن يكون رأس الحربة العربية في عام 1948 ،و أن يحقق إنجازاً كبيراً حين تمكن جيشه الصغير لكنه المملوء كرامة ووطنية من أن يحافظ على الضفة الغربية والقدس من الضياع في تلك الحرب. *** وبعد ذلك.. وبرغم أن الانتداب البريطاني كان جاثماً على صدر الدولة، وكانت قيادة القوات المسلحة بجُلها من البريطانيين، فإن الأردن لم يتردد بان يهدد بريطانيا من أن اي مشاركة للقوات البريطانية الموجودة في الاردن ضد مصر إبان العدوان الثلاثي، يعني ذلك ان الجيش الاردني سوف يكون بحالة حرب مع تلك القوات. إضافة إلى أن الملك الحسين اتصل بالرئيس عبد الناصر معلناً وقوف الأردن إلى جانب مصر، واستعداده لأن يشارك إلى جانب مصر في تلك الحرب.. ولم يحدث ذلك لأن عبد الناصر رفض تلك المشاركة خوفا من احتلال الضفة الغربية.. وإن هذا البلد القليل الإمكانات المُحمل بالروح القومية والتوق المتقد في نفوس قيادته وأبنائه نحو الاستقلال التام، بادر إلى مواجهة كبرى مع بريطانيا، حين اتخذ قراره التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي الأردني و التخلص من القيادات البريطانية. وذلك لقناعة الملك ورجالات تلك المرحلة، بأن لا إمكانية لأن يكون الأردن لاعباً حيوياً في صياغة وتحقيق الاهداف الوطنية والقومية، بوجود الانجليز على رأس جيشه العربي. لقد كان لنجاح معركة تعريب قيادة الجيش، كتمرين حي في المواجهة مع الاستعمار في المنطقة، الأثر الكبير بفتح الطريق إلى إنجازات كبرى حققها العرب في أقطارهم الاخرى بكنس الاستعمار واستكمال عملية الاستقلالات الوطنية..
ونتذكر أن معركة الكرامة، هي الانتصار العربي الاكبر بعد هزيمة «67 «على الجيش الصهيوني والذي قيل عنه بأنه الجيش الذي لا يُهزم. فكانت الكرامة الشرارة التي شجعت العرب بأن يبدأوا حرب استنزاف على كل الجبهات، حرب الاستنزاف الطويلة شكلت المقدمة الحقيقية لانتصار عام «73 ..«الذي لم يكتمل. *** وحين نأتي على المبادئ وثباتها، نتذكر جميعاً الموقف الأردني الخالد حين وقف صامداً أمام الضغط العربي والدولي ورفض المشاركة في غزو العراق عام «90 .«وإصراره على أن الحل يجب أن يكون عربياً وضمان إخراج العراق من الكويت في إطار العمل العربي. و تحذيره من أن القوات الأجنبية، وإن جاءت إلى المنطقة بحجة إخراج العراق من الكويت فأنها لن ترحل، لعقود طويلة.. وهذا ما حدث. فقد كان الأردن بهذا الموقف العروبي الصادق يغامر بأمنه بل وببقائه، وجسد عنواناً كبيراً على أن المبادئ لا تباع. تلك لحظة فاصلة، كان على الأردن أن يختار بين الثبات على المبدأ أو بيعه بأرباح آنية. حيث يصمد الثبات على المبدأ ويسجل في التاريخ بصفحة من غار، بينما يسجل الانهزام والتراجع في سجل السواد والخيبة.. *** واليوم وأمام ما يشاع عن «صفقة» من شأنها ضياع الحق الفلسطيني، والتجاوز على أشواق شعبنا العربي الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس فإن الأردن، يعيد الكره، بالتمسك بالثوابت التي عبر عنها الملك عبد االله الثاني في «لاءاته الثلاث»، وفي الموقف الاردني الصلب الذي يتمسك بحل الدولتين وفي القدس وفي العودة وفي ملف اللاجئين من منظور وطني و فلسطيني. و رغم أن الأردن هو من أكبر متلقي العون الاميركي فأنه يتمسك بثوابته. هذا بمقابل ما يرشح من تهاون وتفريط محتمل، يطل برأسه على استحياء.. ينتظر اللحظة المناسبة للإفصاح عن مواقف أقل ما يقال عنها أنها مخزية! *** • اليوم/ في ذكرى الاستقلال، يؤكد الأردن على ثباته المبدئي والتاريخي على مواقفه التي هي مواقف شعبه و الشعب الشقيق التوأم «الشعب الفلسطيني» المرابط والأردن اليوم وعلى لسان القادة الفلسطينيين هو الأكثر وضوحاً والتزاماً ودعما
لاشقاء ولمشروعهم الوطني.. • اليوم/ في ذكرى الاستقلال، نسعى إلى مزيد من الثبات وتماسك بنائنا الوطني والتفاف الاردنيين حول الملك عبد االله الثاني وطروحاته الوطنية الجلية غير القابلة للتفسير. فالقوي في الداخل قوي في الخارج، والعكس غير صحيح. • اليوم/في ذكرى الاستقلال نطالب باستكمال مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي وتعميق المشاركة ودرء الفساد وضعف الإدارة وكل العوامل السلبية التي من شأنها إضعاف الدولة وعدم تمكينها من اتمام مشروعها الوطني بل ودعم الاشقاء الفلسطينيين لنيل حقوقهم المشروعة. فالأردن القوي هو القادر على دعم فلسطين، والعكس هنا أيضاً غير صحيح. وبعد.. في يوم الاستقلال، أهنئ جلالة الملك عبد االله الثاني وولي عهده الأمير الحسين والشعب الأردني، وأنا على يقين بأن هذا الحمى العربي الأردني الهاشمي سوف يكون دائماً بحجم المهمات، وسوف يتمكن من حسم التحديات التي تواجهه إلى جهة المصلحة الوطنية التي هي بجوهرها، مصلحة فلسطينية وعربية بأمتياز. واالله والوطن.. من وراء القصد
الرأي - الأحد 26-5-2019