التعاونيات الزراعية.. هل نجحت؟
في ثلاثینیات القرن الماضي كان الأردن ینتج اكثر مما یستھلك من القمح والزیتون والحبوب والالبان واللحوم. كان ذلك قبل أن تنشأ التعاونیات الزراعیة التي ظھرت للمرة الاولى العام 1952 وازدھر نشاطھا في نھایة الستینیات قبل ان یتغیر اھتمامھا وتوجھھا ونشاطھا في نھایة التسعینیات. الیوم یواجھ صغار المزارعین العدید من المشكلات التي كان من الممكن تلافیھا لو آمن الجمیع بأھمیة القطاع الزراعي ودوره في تحقیق النھضة والتنمیة التي یتطلع إلیھا الناس والمجتمع . في الستینیات والسبعینیات من القرن الماضي وقبل ارتفاع سعر برمیل النفط كانت الاراضي الأردنیة مغطاة بحقول القمح والتبغ فعلى جوانب الطریق السلطاني ”الملوكي“ المؤدي من عمان إلى الطفیلة عبر مناطق أم الحیران والیادودة وأم العمد ومنجا وجلول ومادبا وعبر قرى الحمایدة وسھول شیحان والربة والقصر والمزار وصولا إلى السیحان في الطفیلة كانت حقول القمح والسنابل الصفراء تموج على مد النظر قبل أن یختفي الاھتمام بالزراعة وتتلاشى خدمة توفیر وتعقیم البذار التي كانت أحد أھم مھام المنظمة التعاونیة. الأردن الذي ضاقت أسواقھ بإنتاج القمح العام 1939 یستورد الیوم ما یزید على 800 ألف طن من القمح ویستورد الشعیر والعدس والحمص والذرة وكل المنتجات التي كان یبحث عن أسواق لھا في لبنان ومصر وغزة وغیرھا من المناطق المجاورة. في معظم القرى الأردنیة التي یعنى أھلھا بتربیة المواشي بأعداد قلیلة یوجد إنتاج بكمیات معقولة من الحلیب یجري بیعھا على معامل الجبنة والحلیب بأسعار مناسبة للطرفین. الكثیر من الأسر التي تقتني رؤوس الأبقار والأغنام الشامیة والبلدیة تعتمد على أثمان الحلیب الذي یوفر لھا دخلا ثابتا. من وقت لآخر ولأسباب مختلفة یرفض أو یتوقف أصحاب المعامل الصغیرة عن شراء الحلیب أو یحاولوا الضغط على المنتجین لخفض السعر، الأمر الذي یولد أزمات اقتصادیة واختناقات تسویقیة تضطر المنتجین للتخلص من الحلیب وإلقاء كمیات الإنتاج في شبكات
الصرف أو على الطرق والغضب یعتمل في صدورھم. الحالة نفسھا یعایشھا المزارعون في الاغوار في كل مرة یتوقف فیھا التصدیر وینخفض الطلب على البندورة والكوسا والباذنجان فیضطر المزارع الذي استدان طوال العام على امل السداد مع حلول الموسم إلى القاء المحصول على جنبات الشارع او حراثة الارض وما علیھا من مزروعات احتجاجا على الاوضاع التي لا یستطیع احتمالھا. العشرات من المزارعین قضوا على إثر جلطات بعد ان تبددت احلامھم بسبب سوء الادارة والاستغلال. الأوضاع التي یواجھھا منتجو الحلیب والبندورة قد تواجھ مزارعي البطیخ واللوزیات ومنتجي البصل والثوم وقد تمتد إلى إنتاج الدواجن والبیض وغیره من المنتجات. الامر الذي یثیر التساؤلات حول اسباب ھذا العجز والتراجع في قدرتنا على تنظیم الانتاج وتصریفھ بما یخدم المزارع والاقتصاد والمستقبل. في العالم یتغلب الناس على مثل ھذه المشكلات من خلال التعاونیات التي یشارك فیھا المزارعون وتدعمھا الحكومة. فالتعاونیات منظمات تتولى دعم وإرشاد وتنسیق اعمال القطاع الزراعي للحفاظ على دیمومة الانتاج والوقوف إلى جانب المزارع في الازمات وتحسین نوعیة الانتاج والحد من أثر التقلبات على المزارعین والمستھلكین والمجتمع. الأردن والمزارع یحتاجون إلى نھضة حقیقیة في ھذا القطاع بحیث یتلقون خدمات منطقیة وذات معنى تساعدھم في تجوید المنتج الزراعي بحیث تزرع انواع افضل من الزیتون كالتي تزرع في الجوار یجري جنیھا بطرق ملائمة وعصرھا وتعبئتھا وتصدیرھا بأسعار السوق العالمي. البندورة الصالحة للتجفیف تحتاج إلى دخول الاسواق لقیام صناعات زراعیة نوعیة ذات جدوى وقیمة تنعكس على أوضاع المزارعین والمجتمعات بدلا من الانواع التي لا تصلح لغیر الاستھلاك الآني. نحتاج إلى منظمات تعاونیة وارشاد زراعي ینتشر، فخبراء ومرشدو ھذه المنظمات في القرى وبین المزارعین یوفرون الغراس للمزارع ویرشدونھ إلى اسالیب الري والعنایة واسالیب القطاف والفرز والتصنیف ویوجھونھم إلى التصنیع الغذائي والاسواق المناسبة. المنظمات التعاونیة تحتاج إلى روافد مالیة وخبرات فنیة لا إلى مشیخات صغیرة یشغلھا اشخاص لا یدركون اھمیة الرسالة والدور.
الغد - الاحد 26-5-2019