العربة قبل الحصان!
تشمل خطة ترامب لإنھاء الصراع العربي الإسرائیلي شقاً سیاسیاً، وھو المفروض لیشمل الحل السیاسي، والمتعلق بإنھاء الاحتلال الإسرائیلي للضفة الغربیة، وإقامة دولة فلسطینیة في الضفة وقطاع غزة، والشق الاقتصادي المتمثل بإحداث عناصر التنمیة الاقتصادیة الكفیلة باستمرار السلام والاستقرار. مؤتمر المنامة خاص بالشق الاقتصادي من الخطة، والذي یبدو أنھ یقوم على افتراض أنھ إذا ما تم تقدیم الدعم الاقتصادي الكافي لمعالجة الأوضاع الاقتصادیة المتردیة بالضفة والقطاع والدول المجاورة، فإن ذلك سیكون كفیلاً، لا بل داعماً للحل السیاسي للمشكلة. ھذا التوجھ شبیھ بوضع العربة أمام الحصان، إذ إن الأوضاع الاقتصادیة المتردیة في الضفة والقطاع، ھي نتیجة للاحتلال الإسرائیلي وسیاسات القمع والحصار التي یتبعھا، ولیست سبباً لھذا الاحتلال. الصراع العربي الإسرائیلي والاحتلال الإسرائیلي والحروب التي تعرضت لھا المنطقة، أدت ّ الى تشوه البنى الاقتصادیة وضعفھا، والى شیوع الفقر والبطالة في الأراضي المحتلة والدول المجاورة. لا أحد یشكك بضرورة التنمیة الاقتصادیة لإدامة السلام، لأن السلام بدون تنمیة لن یستمر، ولكن في الوقت نفسھ، من غیر الممكن تخیل أن التنمیة الاقتصادیة ھي شرط أساسي لإنجاح عملیة السلام، وبخاصة إذا كانت تشمل إعادة الإعمار، وتحدیداً بقطاع غزة، موجھة للبنیة التحتیة في فلسطین والمنطقة. بعبارة أخرى، التنمیة الاقتصادیة یجب أن تكون ثمرة من ثمرات الحل السیاسي، ولیست بدیلاً عنھ. المشكلة الأساسیة ھي سیاسیة، وتكمن بالاحتلال الإسرائیلي للضفة والقطاع، وسیاسات القمع والإفقار التي تمارسھا إسرائیل ضد الشعب الفلسطیني. وكذلك، فھي مسألة حقوق سیاسیة وإنسانیة للشعب الفلسطیني الموجود كحق تقریر المصیر، وحق العودة للاجئین الفلسطینیین.
إن طرح الخطة الاقتصادیة قبل الخطة السیاسیة سوف یؤدي لرفضھا، والنظر إلیھا من قبل الفلسطینیین بوصفھا أداة لتصفیة القضیة الفلسطینیة. وعلیھ، سوف تلقى معارضة شدیدة من الفلسطینیین أولاً، وقد تؤدي الى اندلاع المقاومة من جدید بأشكالھا المختلفة. المشكلة بمواجھة ھذا المشروع ھو أنھ ما یزال مبھماً، إلا ما رشح عنھ من تسریبات، وثانیاً، ھو غیاب موقف عربي واضح من صفقة القرن، لا بل یبدو أن ھناك أطرافا عربیة توافق على خطة ترامب، وأن الأطراف المتضررة من ھذه الخطة تركت لمواجھتھا بدون غطاء عربي رسمي، ما یزید الأمر صعوبة في مواجھتھا. شروط إنجاح مؤتمر المنامة غیر مكتملة أولاً، لأنھا سابقة على الحل السیاسي، وثانیاً، لأن أصحاب العلاقة بالدرجة الأولى غیر موافقین علیھا، إذ لا یمكن أن یكون ھناك تنمیة اقتصادیة بالقوة.
الغد - الخميس 30-5-2019