الحكومة واستراتيجية الحماية
الأردن الذي یعیش على ارضھ ما یقارب العشرة ملایین نسمة ویتنامى دینھ العام بمعدلات تفوق نمو الناتج القومي یستجیب لالتزاماتھ الاممیة بتقدیم خطة مرحلیة لتنفیذ الاھداف الجدیدة للألفیة الثالثة تحت مسمى ”استراتیجیة الحمایة الاجتماعیة للاعوام 2019 – 2025.” الخطة التي تھدف إلى خفض معاناة الفئات الاجتماعیة الاكثر عرضة والاقل حمایة والاشد معاناة تتطلب جھودا تتجاوز قیام الوزارات بمراجعة خططھا وبرامجھا وتقدیمھا بصورة تتسق مع الاھداف العالمیة للألفیة الثالثة. الاستراتیجیة الأردنیة تأتي بدون صلة أو ارتباط مع السیاسات والبرامج التي وعد بھا الرئیس لبناء دولة سیادة القانون ودولة الانتاج ودولة التكافل، فباستثناء اشارات عابرة لم یأت الفریق على أشكال التھدیدات الراھنة والمستقبلیة لاستقرار الأسر الأردنیة ولا عناصر القوة التي یمكن استخدامھا في مجابھة ھذه التھدیدات والتحدیات او بناء وتحصین الاسر ضد الاخطار. غالبیة الحدیث والتشخیص الذي قامت بھ الوزارات رقمي واحصائي یستند لبیانات الاحصاءات دون وجود دراسات لتفسیر وتحلیل الارقام وفھم علاقاتھا وارتباطاتھا ودلالاتھا. غالبیة ما عرض یتناول مصادر الدخل والانفاق فلا اشارة للعنف ولا حدیث عن التفكك الاسري ولم یتطرق احد عن الھجرة او مشكلة المخدرات ولا العادات المخلة بأمن المجتمع. الصحة والمرض والاكتئاب وتكنولوجیا الاتصال وتشكل العصابات وتوزیع ھذه الظواھر والسمات على البیئات والمناطق المختلفة. كان من الممكن للحكومة ان تطلق مسمى استراتیجیة مجابھة الفقر وتدعیم دخل الاسرة لتتجنب كل ھذه الاشكالات. في العشرة الأواخر من رمضان قررت الحكومة اطلاق استراتیجیتھا للحمایة الاجتماعیة للاعوام 2019 – 2025 .وبالرغم من الحضور الكثیف للحكومة برئیسھا واركانھا فقد غاب عن اللقاء اكثر من نصف المدعویین وتابع العروض بشيء من الاھتمام عدد من الخبراء
والدبلوماسیین والاعلامیین في حین اجاب ستة من الوزراء على اسئلة محدودة حول ادوار قطاعاتھم في تنفیذ الاستراتیجیة. من الواضح ان الاستراتیجیة اعدت على عجل وحملت اعباء تنفیذھا على برامج العدید من المؤسسات وجرت المواءمة بین انشطتھا ومشروعاتھا والبرامج التي تنھض بھا المؤسسات اصلا. مع قناعتي واتفاقي الكامل مع طرح الحكومة لجودة ونوعیة التعلیم كمدخل مھم لتحقیق التنمیة الا انني لم اتغلب على الحیرة التي انتابتني وانا استمع لحدیث وزیر التعلیم وھو یتحدث عن التعلیم المبكر كأحد البرامج التنفیذیة لاستراتیجیة الحمایة الاجتماعیة فقد وجدت صعوبة بالغة في التوفیق بین ما قالھ الوزیر وما نشھده من تكدس لمئات الآلاف من الخریجین الذین احترفوا مراجعة المؤسسات وتعبئة الطلبات وملاحقة الاعلانات الصحیحة والوھمیة للوظائف الشاغرة داخل الأردن وخارجھا. في حدیث وزیر العمل الجدید عن 11000 وظیفة جدیدة لم یتطرق اذا ما كانت الوظائف تمثل الشواغر السنویة الناجمة عن الاحلال والنمو ام انھا تمثل نموا حقیقیا في قدرة الاقتصاد على تولید الفرص. اقتصر حدیث الوزیر على تغییر نسبة الحالات الانسانیة إلى مجموع الوظائف المطروحة. في ھذا السیاق كنت اتمنى الاستماع إلى ما یمكن ان تقولھ وزیرة التطویر المؤسسي عن تأثیر مثل ھذا القرار على مھام التطویر المؤسسي وتطبیق اسس الجدارة التي یتطلع الجمیع لتطبیقھا. وزراء الاوقاف والزراعة والتنمیة الاجتماعیة والصحة قدموا تصورا للبرامج التي ستقدمھا وزاراتھم دون بیان مدى اختلاف ھذه البرامج والاجراءات التي تقوم بھا مؤسساتھم عما كانت تقوم بھ قبل تبني وصیاغة الاستراتیجیة. غیاب او ضعف الصلة بین البیانات التي تصف الواقع والاستجابات التي اعدتھا لتجاوز ھذه الاوضاع كان المظھر الاھم والابرز فقد قالت الحكومة بان ھناك ما یزید على 19 % من الاسر الأردنیة التي تعاني من الفقر اسھمت اجراءاتھا وبرامجھا في تخفیض النسبة إلى ما یقارب الـ15 .% الحكومة لم تقل لنا عن تصورھا وتنبؤاتھا لتغیر معدلات الفقر خلال السنوات التي تغطیھا الاستراتیجیة ولم تتعرض لحجم التدخل وتطوره في كل عام ولا لحجم الانفاق المتوقع ونسب الحد من الفقر والاخطار التي ستواجھ الاسر وتدعو للحد منھا. توزیع اھداف الاستراتیجیة وبرامجھا على المؤسسات المختلفة وغیاب الاھداف الكمیة التي توضح حجم المشكلة والاثر المتوقع للتدخلات وقیاس ذلك من خلال مؤشرات اداء واضحة یجعل من الوثیقة بیانا للنوایا وبرنامجا للعلاقات العامة اكثر مما یعكس نیة حقیقیة للتغییر غیر المنفصل عن برنامج النھوض الوطني الذي دعى لھ الملك ووعد بھ الرئیس.
الغد = الجمعة 31-5-2019