هل هي نهاية الصفقة؟
الامم المتحدة تعلن رفضھا حضور مؤتمر البحرین المزمع عقده نھایة الشھر المقبل والذي بات ینظر الیھ على اعتبار أنھ المقدمة الاقتصادیة لمشروع التسویة السیاسیة (صفقة القرن) التي تحاول الادارة الامیركیة فرضھا لحل الصراع التاریخي في الشرق الأوسط، كما ھوالحال أعلنت الصین وروسیا مقاطعتھما للمؤتمر. في ھذا الوقت فشل رئیس الوزراء الاسرائیلي بنیامین نتنیاھو في تشكیل حكومة ائتلافیة. حیث صوت نواب إسرائیلیون لصالح حل البرلمان ( الكنیست )، أي ان الانتخابات الثانیة ستجرى في شھر ایلول الماضي، وھي المرة الاولى في تاریخ اسرائیل التي یفشل فیھا رئیس وزراء منتخب من تشكیل حكومة، وھذا یدلل على حجم الأزمة السیاسیة في اسرائیل، ویعني عملیا أن لا شریك اسرائیلیا خلال الاشھر الثلاثة القادمة لمناقشة ملف الصفقة في الوقت الذي ستدخل فیھ الولایات المتحدة بحمى التحضیر للانتخابات الرئاسیة القادمة 2020 ،وبالتالي تجمید الملفات الكبیرة وتراجع مساحة النشاط الدبلوماسي الخارجي. في مقابل كل ھذه التطورات الاجرائیة لم یعمل الزمن على ترویض الرافضین التقلیدیین للصفقة وھم الفلسطینیون بالدرجة الاولى ثم الاردنیون، بل ما جرى بالفعل أن الأحداث باتت في بعض مؤشراتھا تسیر نحو منحھما المزید من النقاط وربما قریبا المزید من الحلفاء. لقد ابقى مؤتمر قمة مكة الأخیر الخطاب السیاسي العربي في حدوده التقلیدیة وعلى الرغم من أنھ منح التھدید الایراني لدول الخلیج العربي الأھمیة الأبرز ومنحھ الأولویة على القضیة الفلسطینیة، إلا أن المؤتمر المنعقد تحت التأثیر الامیركي الكبیر لم یستطع مغادرة مربع الالتزامات العربیة التلقیدیة التي اعتاد علیھا الخطاب السیاسي العربي الرسمي وعنوانھا الالتزام بمبادرة السلام العربیة وقرارات الشرعیة الدولیة، وھو الأمر المناقض لأطروحة مستشار الرئیس الامیركي جارید كوشنر الذي یحمل ملف ھذه الصفقة، تلك الأطروحة التي تحاول أن تبني تصورات جدیدة للحلول بعیدا عن قرارات الامم المتحدة التاریخیة حیث تستند اطروحتھ
السیاسیة على أن الشرعیة الدولیة فشلت في إیجال الحل للصراع ما یعني حسب زعمھ البحث عن حلول خارج إطار ھذه الشرعیة، وفي الوقت الذي تدیر الإدارة الإمیركیة صفقتھا بالتسریبات الإعلامیة الغامضة فإن كل ما ھو معروف عنھا انھا لا تعترف بحل الدولتین ولا تعد الفلسطینیین بدولة مستقلة ذات سیادة. السیناریوھات المتوقعة خلال الایام والاسابیع القادمة تبدأ من احتمالات محدودة لتأجیل مؤتمر البحرین اذا ما اعلنت اطراف جدیدة عدم حضوره مع العلم ان العدید من الاطراف الرئیسة والمؤثرة لم تعلن بعد عن حضورھا من عدمھ، وما تزال في مرحلة جس النبض بعدما بات واضحا ان الاطراف المنظمة والداعیة لھذا المؤتمر اصبحت اقل قدرة على توفیر تكییف سیاسي مقبول لھذا المؤتمر، السیناریو الاكثر توقعا أن المؤتمر سیبقى في موعده وفي مكانھ، ولكننا سنشھد في الایام القلیلة القادمة تحول الخطاب السیاسي الى التقلیل من التوقعات من ھذا المؤتمر، بل النظر الیھ على اعتبار انھ مجرد فرصة لتبادل الآراء بدون صفقات ولا ملیارات. الاحتمالات مفتوحة، والسیاسة الدولیة قابلة لتحولات صادمة ایضا، وبانتظار الانتخابات الاسرائیلیة الثانیة ثمة احتمالات متعددة ومعقدة، أخطر ھذه السیناریوھات تصعید جدید للنخبة المتطرفة في تل ابیب یستھدف الضفة الغربیة من اجل التأثیر على اتجاھات الناخبین ووضع المزید من الضغوط على السلطة الفلسطینیة قد یأخذ شكل مواجھات شبھ عسكریة مع الفلسطینیین ما قد یخلق حالة من الفوضى والمزید من الإضعاف للسلطة الوطنیة وتھمیش حضورھا الأمني والاداري وصولا الى عملیات استنزاف للقدرات الوطنیة الفلسطینیة وإنھاك إمكانیات الصمود ما قد یقود الى عملیات تھجیر منظم وخلق أوضاع انسانیة غیر مسبوقة. صحیح أن قوى كبرى واقلیمیة متواطئة في الذھاب الى تسویات غیر عادلة، لكن ھذا المسار غیر حتمي، وثمة جولة جدیدة لصراع الارادات قد یأتي باحتمالات جدیدة، وھذه بالتأكید لیست نھایة التاریخ في الشرق الاوسط.
الغد - الجمعة 1-6-2019